لغة الذكاء
''لقد سحبت ابني من المدرسة الحكومية، فهو لم يعد يكلمني بالفرنسية ويقلد رفاقه في حديثهم مع أهاليهم الذين لا يتقنون اللغات، وبالتالي يتكلمون العربية فقط، إضافة إلى استخدامه الكثير من المصطلحات الشعبية فهو يناديني ''أمي'' بدلا من ''مامي''، أنا خريجة المدارس والجامعات الأجنبية''. هذا الحديث ورد على لسان سيدة أعمال، أثناء فترة الاستراحة من فعاليات مؤتمر لسيدات أعمال عربيات، وفي بلد عربي.
نفس السيدة كانت تتباهى بتجربة مشغلها الناجحة والرابحة، في بلدها العربي، فهي على الرغم من شهاداتها الأجنبية اختارت أن تتجه إلى أصحاب محال الحلويات الشعبية، لتصمم لهم علب لمنتجاتهم. بالطبع من يشتغل في هذا المجال يتوارثه أبا عن جد. وطالما أن السلعة مطلوبة شعبيا تصبح أهمية تعلم اللغات ضئيلة. لكنهم في المقابل، بحسب رأي تلك السيدة الآنفة الذكر، فهم يشكلون قطاعا رابحا لتجارتها، بغض النظر عن ''شعبيتهم''. كما أنها لا تستخدم معهم أي مصطلحات إفرنجية حتى لا تتهم بالتكبر. المعادلة الأخرى التي تزيد من مكاسب مشغلها هو رخص أجور العاملات اللاتي تختارهن من غير المتعلمات، ومن أسر فقيرة، بدعوى أنها تحب عمل الخير. فالمتعلمات حسب دعواها أجورهن أعلى ولديهن مطالبات أكثر بحقوقهن.
من المفيد جدا أن يتعلم البشر لغات أخرى. لكن ما يثير الاستغراب مقدار الاستهانة التي تطول لغات الشرق من قبل الكثير من أبنائه، بعد تذوقهم اللسان الإفرنجي، وكأن هناك لغة للفقراء ولغة للأغنياء، لغة للتنمية ولغة للتخلف، حيث اعتبر أحد أصحاب الشركات العرب أن الموظف الذي لا يجيد اللغة الإنجليزية لا يتمتع بحد أدنى من الذكاء، لكن هل لديه برهان أن كل الإنجليز أو الأمريكان أذكياء وعباقرة.
وبالعودة إلى اللغة واحترامها وتأثيرها في أوضاع وتصرفات الناس الاجتماعية والاقتصادية، لكن هذه المرة من منظور أحد الساسة الإنجليز، لورد ماكولي، ففي خطاب له للبرلمان الإنجليزي في 1835 حول زيارته للهند ورد فيه: ''لقد وجدت هذا البلد ثريا لدرجة كبيرة، ويتمتع أهلها بقيم أخلاقية عالية، ودرجة عالية من الرقي، حتى أنني أرى أننا لن نهزم هذه الأمة، إلا بكسر عمودها الفقري، وهو تراثها الروحي والثقافي. ولذا اقترح أن يأتي نظام تعليمي جديد ليحل محل النظام القديم، لأنه لو بدأ الهنود يعتقدون أن كل ما هو أجنبي وإنجليزي جيد وأحسن مما هو محلي، فإنهم سيفقدون احترامهم لأنفسهم وثقافتهم المحلية''.