دور الأجهزة الحكومية في تحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطن
يعتبر الدور الحقيقي للأجهزة الحكومية تحقيق أفضل الخدمات الممكنة لتنعكس إيجابا على الرفاه الاقتصادي للمواطن. والخلل في الخدمة المقدمة وعدم ارتباطها برفاه المواطن يشكل عبئا على الاقتصاد المحلي وخسارة اقتصادية يدفع ثمنها المواطن. ولذا يجب أن يكون دور الحكومة مجتمعة هو تحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطن، وبناءً على ذلك يتم قياس جودة وصلاحية أي خدمة أو أنظمة توضع موضع التنفيذ بمدى قدرتها على تعظيم الرفاه الاقتصادي للمواطن. وحتى يتحقق هذا الهدف السامي وتقوم هذه الجهات بالدور المنوط بها لخدمة المواطن، فإن الأنظمة والقوانين والقرارات الصادرة منها والخدمات التي تقدمها، ويتم الموافقة عليها من قبل الجهات العليا، يجب أن يكون مقياسها الحقيقي مدى تأثيرها على الرفاه الاقتصادي للمواطن. ولمعرفة الآثار الاقتصادية لأي قرار على الرفاه الاقتصادي، فإن الجهة ذات العلاقة معنية بدراسة شاملة للآثار المباشرة وغير المباشرة للقرار على جميع المتغيرات الاقتصادية التي تمس المواطن وقياس آثارها على مستوى الاقتصادي الكلي.
ولكن للأسف أن غالب الأجهزة الحكومية في المملكة تعمل على تحقيق أعلى الفوائد الممكنة للجهاز في سباق تنافسي بين الأجهزة الحكومية، يذهب ضحيته أحيانا المواطن المستهدف أساسا بالخدمة. فغالب الأجهزة الحكومية لا تعمل كجزء من منظومة حكومية تتكامل خدماتها لتحقق أعلى العوائد الممكنة للمواطن، بل تجد غالب هذه الأجهزة تعمل بشكل فردي لتحقيق مصالح آنية للجهاز الحكومي نفسه، بعيدا عن تحقيق الهدف العام، وإن ادعت غير ذلك. فأحيانا تتعارض الخدمات المقدمة من هذه الأجهزة مع الاستراتيجية العامة للبلد. فحينما تخفض الهيئة العامة للاستثمار رأس المال المطلوب للاستثمار الأجنبي؛ حتى تستطيع أن تحقق السبق في تقييم البنك الدولي، على الرغم من أننا لسنا في حاجة إلى رأس المال بقدر حاجتنا إلى التقنية وتوطينها، لتسمح للأجانب بمنافسة السعودي في المشاريع الصغيرة التي تبنتها استراتيجية معالجة الفقر كأحد حلول الفقر التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين، وكذا تتعارض مع سياسة السعودة التي تبنتها الحكومة كإحدى آليات معالجة البطالة بين السعوديين، فهذا لا شك تعارض واضح مع استراتيجية الحكومة في معالجة الفقر وضخ المليارات في الصناديق المعنية لإقراض المواطن.
فالأداء غير الكفء للجهات الحكومية في تقديم الخدمة أو إصدار القرارات التي تمس المواطن دون دراسة لعلاقة هذه القرارات برفاه المواطنين ودراستها على المستوى الكلي يؤدي إلى تأثير سلبي على المواطن من جهتين. أولا، زيادة في تكاليف تقديم الخدمة من قبل هذه الأجهزة وتحميل الاقتصاد المحلي تكاليف إضافية من خلال تقديم خدمة بتكاليف أعلى مما يجب وبمستوى رديء. ثانيا، ارتفاع المخاطر التي يواجهها المستثمرون؛ مما ينعكس في حساب العائد ويتطلب لتقديم الخدمة الاستثمارية من قبل القطاع الخاص رفع العائد المقبول في هذا القطاع ليتساوى مع المخاطر أو هروب الأموال من هذا القطاع إلى قطاعات اقتصادية أخرى؛ لانخفاض العائد مقارنة بالمخاطر التي يواجهها القطاع الخاص مع تلك الجهات. فالتعقيدات البيروقراطية التي يواجهها المطورون العقاريون في المملكة مع أمانات وبلديات المدن والتأخير في الحصول على التراخيص المطلوبة، التي تتجاوز في كثير من الأحيان سنة كاملة، وعدم وضوح الرؤية لدى الأمانات في التعامل مع المطورين العقاريين انعكس على التكاليف الاقتصادية التي يتحملها المطورون العقاريون وعلى المخاطر التي تواجههم؛ مما أدى إلى رفع العائد المطلوب ليتساوى مع المخاطر التي يواجهها المطورون العقاريون أو هروب الأموال من التطوير العقاري إلى قطاعات أخرى أقل تعقيدا أو إلى البيع والشراء بعيدا عن التطوير الفعلي للأرض. هذا الأداء السلبي في الخدمة من قِبل الأمانات دفع تكلفته المواطن من خلال ارتفاع تكلفة الخدمة المقدمة له من قبل القطاع الخاص وارتفاع الأسعار لتعكس الواقع في التكاليف والمخاطر.
في ظل الوضع القائم، فإن الاقتصاد السعودي في حاجة إلى جهة تحدد الاتجاه الصحيح لهذه القطاعات؛ لتعمل وفق آلية تعظيم الرفاه الاقتصادي دون اجتهاد كل جهة على حدة، وكثيرا ما يخطئ هذا الاجتهاد. وتعتبر وزارة الاقتصاد والتخطيط هي الجهة التي من المفترض أن تقوم بهذا الدور، ولكن أداءها لم يرقَ لتلبية متطلبات الاقتصاد المحلي في المساعدة والمتابعة للأجهزة الحكومية لضمان تحقيق الرفاه الاقتصادي؛ لذا فإن المجلس الاقتصادي الأعلى قد يشكل آلية مناسبة للإشراف الفعلي على الأداء الاقتصادي للجهات الحكومية ومساعدتها في تقديم الخدمة ووضع الأنظمة التي تحقق الرفاه الاقتصادي بمفهومة الشامل. ولكن لتحقيق هذا الهدف، فإن المجلس الاقتصادي الأعلى في حاجة إلى وجود إدارة دراسات وأبحاث متميزة تسهم في عمل الدراسات اللازمة وتقييم أداء الأجهزة الحكومية. وقد يكون من المناسب إلغاء وزارة الاقتصاد والتخطيط وإلحاقها كإدارة أبحاث بالمجلس الاقتصادي الأعلى.