مصر وتونس والنمو والتنمية
يفرق الاقتصاديون بين مدلولات النمو ومعدلاته وزيادة الناتج المحلي الإجمالي ونسبه ومدلولات التنمية الخاصة بتحسن مستوى المعيشة وتوافر الحاجات الأساسية والخدمات لجميع أفراد المجتمع بيسر وسهولة، أي يفرقون بين كلمة Growth وكلمة Development، والنمو الاقتصادي وإن كان مهما، وارتفاع نسبته دليل على النجاح في سياسات الاقتصاد الكلية، إلا أنه ليس كافيا، فلا بد أن يصاحبه تحسن في مستوى معيشة المواطن وتوافر الخدمات والحاجات الأساسية مثل التعليم والصحة والمواصلات وفرص العمل، وحتى الماء النقي والهواء غير الملوث في أحسن الحالات الدالة على التنمية الشاملة وحسن توزيع الدخل ومنافعه.
وتونس ومصر كانتا تنالان كثيرا من ثناء صندوق النقد والبنك الدوليين لما استطاعتا تحقيقه بالنسبة لمعدلات النمو المرتفعة، فخلال الأعوام 2002 ـــ 2007 كانت نسبة النمو في تونس ومصر تصل إلى 5 ـــ 6 في المائة سنويا من معدلات الناتج المحلي الإجمالي.
وكل من زار تونس ومصر خلال السنوات المذكورة كان يرى زيادة في عدد الفنادق والشركات والسيارات، إلا أنه يلاحظ أيضا كثرة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل وازدياد العشوائيات حول المدن وتردي خدمات الكهرباء والصرف الصحي والمياه.
إننا أمام حالة كلاسيكية من زيادة النمو وقلة مستوى التنمية، أي تراكم الإنتاج وسوء التوزيع، ومع أن زيادة الناتج المحلي الإجمالي هي ضرورية على المدى الطويل لتحقيق التنمية إلا أنها ليست كافية في المديين القصير والمتوسط لتحسين مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل ومكافحة الفقر والمرض، أي كما يقول العلماء إن النمو هو ضروري ولكن غير كاف Necessary but not sufficient لتحسين الظروف أو مقابلة تطلعات المجتمع والشباب العاطل، الذي ترفع من آماله نسب النمو المعلنة والمضخمة.
لا بد أن تواكب زيادة النمو في الناتج المحلي الإجمالي زيادة في توسيع التنمية وتوزيع الدخل وتحقيق الرفاهية بنسب متراكمة، حتى لا يترك المواطن بعيدا عن المشاركة في جني منافع النمو ويترك فريسة لأصحاب المصالح والمستفيدين من النمو المرتفع يتحكمون في الثروة والسلطة وخلق جيل من الإقطاعيين على حساب الأغلبية الساحقة.
إن زيادة نسبة النمو للناتج المحلي الإجمالي وما يصاحبها من إشادات وتضخيم إعلامي تخلق توقعات لدى الشباب تفوق الإمكانات وعندما لا تتحقق فإنها تصطدم بالواقع مسببة الاحتقان الاجتماعي والسياسي الذي يبحث عن متنفس للانفجار كالبركان المدمر.
إن الدول المتقدمة أدركت مبكرا الفرق، وسعت إلى التفريق في سياساتها الداعمة للنمو والساعية إلى نشر التنمية، وخططت لتوزيع مكاسب النمو لتعزيز التنمية.
والولايات المتحدة كمثال على ذلك، وما عاصرته وشاهدته عند دراستي هناك خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي وأوائل السبعينيات عندما وجدت أمريكا نفسها بين مظاهرات وثورات الأقليات من السود والإسبان وغيرهم المطالبين بحقهم من النمو، سنّت الولايات المتحدة قانونا يسمى (العمل المؤكد) Affirmative action وهذا القانون هو أساس نظام الحقوق المدنية الذي أعطى الأقليات فرصة للحاق بالركب ومشاركة إخوانهم البيض في مكاسب التنمية، والقانون معروف ومطبق ويعطي معاملة تفضيلية للأقليات في الجامعات والمدارس وفرص العمل. وما أحوج الدول العربية إلى قانون مثله لمساعدة الأقليات والأقل حظا من سكان العشوائيات من فلاحين مهاجرين وبدو رحل وأقليات أخرى للمشاركة في التنمية وتحقيق المطالب المشروعة لهم، في مشروع حضاري يرسخ الانتماء والمواطنة ويوزع منافعها وتكاليفها، ويصبح مثل المشروع الأمريكي فرصة لانصهار المجتمع في مشروع واحد كشركاء فيه ومدافعين عنه وحرصاء على نجاحه ونموه، مما يحقق التماسك وتعميق المواطنة.
والله الموفق،،،