إدارة الدول وإدارة الشركات.. القواسم المشتركة
على الرغم من أن هناك اختلافا جوهريا يصل إلى حد التناقض والتصادم بين إدارة الدول وإدارة الشركات، يرتبط هذا الاختلاف بالهدف الاستراتيجي لكل منهما، حيث تسعى إدارة الشركة إلى تحقيق الربح المادي بصفة أساسية، ولتحقيق هذا الهدف عليها أن تمارس بكفاءة وظائف متعددة مثل الإنتاج والتسويق والإدارة المالية وإدارة الموارد البشرية. بينما تسعى الدولة بصفة أساسية إلى توفير الظروف الملائمة وأسباب العيش الكريم لمواطنيها وضمان أمنهم ودعمهم في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، ولتحقيق هذه الأهداف تمارس وظائف متعددة قضائية وتشريعية وتنفيذية. فالشركات يمكن أن تموت، بينما الدول لا تموت لأن الأولى يرتبط بقاؤها بمحددات مادية بحتة مهما تحرت البعد الإنساني في أنشطتها وتوجهاتها المختلفة، بينما الثانية باقية ببقاء مواطنيها مهما كان للمحددات المادية من تأثيرات. ولكن في الوقت ذاته هناك العديد من القواسم المشتركة بين إدارة الدولة وإدارة الشركة، القاسم الأول هو الإنسان ذاته، فالشركات تحقق أهدافها بجهود ذهنية وبدنية يبذلها العاملون فيها، والدول تحقق أهدافها وطموحاتها بعقول وسواعد مواطنيها، إذا لم يحصل الإنسان ــــ في الشركة التي يعمل بها أو في الدولة التي يقطنها ـــ على احتياجاته المادية والمعنوية الملائمة لن يكون قادراً أو متحفزاً على العمل والعطاء، وفي الوقت ذاته إذا توافر للإنسان البيئة المتميزة التي تمكنه من استثمار قدراته وتطوير أدائه سيؤدي في هذه الحالة دوراً بارزاً في تقدم الشركة أو الدولة. القاسم الثاني يتعلق بإدارة التغيير، الشركات التي تدار بفكر تقليدي ولا تسعى إلى تغيير اتجاهاتها وممارساتها بتغير معطيات البيئة التي تعمل فيها تواجه إشكالية خطيرة تتعلق بعدم قدرتها على تلبية احتياجات أسواقها المستهدفة بل وتفشل في داخلها بعدم قدرتها على تلبية احتياجات العاملين فيها، وكذلك إدارة الدولة التي تتعامل مع مواطنيها بمنطق عصور بائدة وتحكم إغلاق حدودها وتسير في عكس اتجاه العالم حولها لتعود إلى الخلف وتفقد كل فرص النمو والتطور. القاسم الثالث هو تشابه المؤشرات في حالتي النجاح والفشل، فزيادة حدة الخلافات والصراعات وهروب الكفاءات وكثرة الشكاوى وغياب العدالة في توزيع المكاسب وعدم تطبيق المعايير الموضوعية في الثواب والعقاب، وإسناد الأمر لغير أهله، هذه المؤشرات وغيرها تمثل قواسم مشتركة في تأخر أو فشل الشركة والدولة على حد سواء. بينما ارتفاع الإنتاجية وارتفاع الدخول وجودة العلاقات والتعاملات، والسمعة المتميزة، وغيرها من المؤشرات تدل على نجاح الشركة والدولة أيضاً. القاسم الرابع يتعلق بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل والمعاملات والحقوق والواجبات، وجود تلك القوانين واللوائح وغيابها، قوتها أو ضعفها، عدالتها أو غبنها، هو الذي يصنع شركة قوية ويصنع أيضاً دولة قوية ومتماسكة. القاسم الخامس هو الاستراتيجية، لا توجد على ظهر الأرض شركة تتقدم وتتطور دون أن يكون لديها استراتيجية واضحة توجه جميع إمكانياتها المادية والبشرية والثقافية والتنظيمية لتحقيقها، وقطعاً لا يوجد دولة تتقدم وإدارتها تنظر فقط تحت أقدامها وتتحرك طبقاً لسياسة الفعل ورد الفعل. القواسم المشتركة كثيرة ومتنوعة ويظل القاسم الأكبر هو مسؤولية الإدارة في الحالتين عن النجاح أو الفشل.