ماذا نعرف عن مستقبل الجيل القادم؟
نهضة تعليمية عارمة وبعثات لشبابنا من الجنسين واغتراب وتغرب. لا شك أن الجيل الجديد والقادم هو جيل مختلف تماماً عنا ومتطلباته واحتياجاته قد لا نحيط بها وقد تكون مختلفة تماماً عما نخطط له أو نحاول توفيره سواء من خدمات أو تخطيط لمدننا.. يا ترى إلى أي منقلب سيكون حالهم أو متطلباتهم عندما يعودون بعد سنوات؟
ما مستقبل الشباب في مدننا؟ وهل خططنا مدننا لتهيئتهم وتنشئتهم حضارياً وللمساعدة على تغير سلوكياتهم نحو الأفضل عبر توفير المدخرات التراثية والأنشطة والخدمات الكافية والجذابة لهم، والاستفادة من طاقاتهم في أنشطة حضارية بدلاً من الكبت والطيش والتهور، وتوفير البيئة الترفيهية الحديثة والذكية (الإلكترونية) من واب وماكس ومراكز معلومات ومتاحف ومكتبات عامة وملاعب رياضية وحدائق عامة وبأسلوب عصري ومفتوح وجذاب، ومحاولة تطوير وابتكار منتجات تراثية من حضارتنا لتصميم أحيائنا السكنية؟ إن الطفل والشاب أو المراهق يعيش اليوم حياة مليئة بالازدواجية الحضرية. الأولى في بيته فهو يعيش تحت توجيهات والديه ومعظمهم من الرعيل القديم ويعيش تحت الوهم الذي يصوره له مرافقوه على أنه ما شاء الله لم يقصر في تربية أبنائه، بينما هو في الحقيقة موهوم في ذلك ولا يعلم أو يفقه أي شيء عن أولاده. والازدواجية الأخرى التي يحتاج إليها الشباب هي خارج المنزل في المدرسة والشارع والإنترنت والمحطات الفضائية التي يختلف عادة أسلوبها في تلقين الطفل والمساعدة على انحرافه، مما يجعله يقف مشدوهاً ومشتت التفكير عند مفترق الطرق وغير قادر على تصور ما سيؤول إليه مستقبله بعد حرب العولمة وتأثيرها فيه كعماد للمستقبل، ولا يجد من يعطيه التوجيه الصحيح. والله وحده أعلم بمتطلبات هذا النشء ومنقلبهم الحضري وما يخبئه المستقبل الغامض لهم. وتستمر المعاناة عندما يواجه سموم العمالة الأجنبية والخدم في منازلنا ومحنة السائق الأجنبي الذي غزا بيوتنا وما يسببه من آثار سلبية. في الوقت الذي يشرف فيه العالم على تقمص الحضارة الإلكترونية ومكننة الحياة العصرية بواسطة شبكات الإنترنت للتسوق أو لتحضير الطعام أو إشعال الأنوار وبعض الأجهزة من خارج المنزل، وما ستؤدي إليه الثورة المعلوماتية من التغير الجذري لمبانينا ونسيج مدننا وتسهيل السكن في الأرياف وانعكاساتها على المجتمع ككل، لذلك فإن وضع استراتيجية للتوعية الاجتماعية للآباء وتوفير التخطيط السليم لرعاية الأطفال وتربيتهم من أساسيات التخطيط الاجتماعي.
كلٌّ يتوهم أن أبناءه هم أذكى الأطفال وأجملهم وهذا مرض اجتماعي خطير. حيث إن الأب المتكاسل يحاول أن يوهم نفسه بذلك حتى لا يُتعب نفسه في متابعة تربية أطفاله ومقارنتهم ببقية الأطفال. وحتى المدارس الخاصة أصبحت تجاملهم بإرسال شهادات بمعدلات ممتازة ومدح أحياناً غير صحيح. فاليوم أوهمنا بأن أطفالنا جميعا هم أفضل الأطفال في العالم. فإذا كان ذلك صحيحا فأطفال من هؤلاء المزعجين والمشاغبين الذين نراهم يومياً في الأحياء والشوارع؟!
إن أفضل نعمة نمن بها على المجتمع هي نعمة الوعي والإحساس بالمسؤولية، وأن نحاول تصحيح الاعتقاد أو المفهوم الخاطئ بأن كل متعلم يعتبر واعيا حضاريا في تعامله مع أولاده وأبناء فطرته ومهما حمل من شهادات عليا. لقد أصبحت مدننا وإلى حد ما بعض مواطنينا ضحية لتركات وترسبات التخطيط الأجنبي الذي طمس شخصية كل منهم خلال السنوات الماضية. وهي فترة عاناها المواطن سنوات، سلب منه كل شيء حتى الأخلاقيات التعاملية الحضارية، سواء في عدم احترام الآخرين وحقوقهم أو أنظمة المرور والتهور الذي يسبب خسائر بشرية هائلة أو عدم التعاون في الإبلاغ عن المتخلفين. وما زالت بعض العصبيات مخدوعة في أمرها، فكل مجموعة بيئية مهما بلغت من التخلف أو الجهل تعتقد أنها أفضل وأسمى من جيرانها وهذا هو عين التخلف. فمتى يعي المواطن تقدير النعم التي حباه الله إياها بدلاً من النفاق الاجتماعي والإسراف والبذخ الذي يخالف تعاليم ديننا الحنيف. هذه الخصائص هي أساس الدين المعاملة .. فماذا تركنا لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم الذين نعتقد أننا أفضل منهم؟ وماذا أعددنا لتوعية الأطفال والمراهقين للتحول من الحضارة الأسمنتية إلى المدنية وأسلوب التعامل الحضري مع البناء والنسيج العمراني والاجتماعي للمدينة وللمساهمة في عملية التخطيط وإحساسه بالمسؤولية في العملية الإحصائية؟ ومتى ننفض غبار وترسبات التخطيط الأجنبي ونبدأ التخاطب سواسية وبلغتنا التي عجز أبناؤها أن يبروها وهي تحتضر أمام زخم المصطلحات الإلكترونية والتجارية الحديثة ولغة الإنترنت.
لقد أصبح الأمر ملحا اليوم لإيجاد هيئة عليا للتوعية، وأن يطرح موضوع توعية المواطن ورعاية الأطفال والمراهقين واحتوائهم حضاريا على طاولة النقاش الموضوعي لمحاولة تحسين وتوجيه الحضارة لمدننا في الاتجاه الصحيح، وذلك بتضافر الجهود الواعية من المواطن والمسؤولين.