مشاريعنا وتوطين التنمية

إن ما نعيشه اليوم في المملكة العربية السعودية أقل ما يمكن القول عنه إنه ثورة إنشائية تنموية في مجال تنفيذ المشاريع، فالمشاريع الجاري تنفيذها تتجاوز تكاليفها مليارات الريالات السعودية، حيث تشير الإحصائيات المالية إلى أن تكلفة تنفيذ هذه المشاريع يتجاوز تريليوني ريال سعودي بمعنى 2000 مليار ريال، ولمن لا يعرف التريليون فإنه بمثل هذا الشكل (2،000،000،000،000)، هذه المشاريع الحيوية والمبالغ العالية لإنجازها، يعتبر إنجازا لا يضاهيه أي إنجاز، وطموحا يتجاوز طموح أي تنمية خلال فترة زمنية قصيرة، وفي حقبة يعيش فيها العالم مشكلات اقتصادية ومالية حقيقية أدت وتؤدي إلى إفلاس وتخلف دول عن المنظومة الاقتصادية التنموية العالمية.
إن مشاريعنا الجاري تنفيذها حتى نحقق الحد الأقصى التنموي من الاستفادة من المليارات التي تصرف على تنفيذها هو تحويلها من مشاريع جامدة تنتهي بانتهاء تنفيذها إلى أن نجعل منها مشاريع ديناميكية ذات خير دائم ومستمر لمصلحة أبناء الوطن جميعا من شمال المملكة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها مع الوسط، من خلال تحويلها إلى مشاريع إنتاجية لتوطن مشاريع جديدة وفرص عمل مستمرة وتبني خبرات سعودية في مجال تنفيذ المشاريع وما يرتبط بها من إدارة وهندسة وتنفيذ وما يتطلبه ذلك من صيانة ومتابعة وإدارة لما بعد تنفيذ المشروع.
إن توطين فرص العمل من خلال التدريب والتأهيل للشباب السعودي في هذه المشاريع العملاقة في مختلف مناحي الحياة، وحتى أقرّب الصورة أكثر، دعونا ننظر مثلا لمشاريع القطارات التي يتم تنفيذها اليوم في المملكة وفي خطوة غير مسبوقة ودعونا نفكر لو أن كل مهندس وإداري وفني أجنبي يعمل في هذه المشاريع ارتبط به شاب أو أكثر من شبابنا في المجال نفسه وعمل معه وتدرب على يديه وفقا لنظام النظير وتم نقل المعرفة من هذه الكفاءات الأجنبية إلى الكفاءات السعودية، فإننا بهذا الإجراء البسيط حققنا العديد من الفوائد المباشرة وغير المباشرة.
المباشرة هي تعلم شباب الصنعة ميدانيا وعمليا، بعد تعلمها في المدارس والجامعات، وبهذا فإننا نوجد جيلا من الشباب السعودي المتعلم والمتدرب عمليا؛ للقيام بتنفيذ المشاريع الجديدة القادمة في مجال سكك الحديد والتي المملكة في أمس الحاجة إليها اليوم ومستقبلا، داخل المدن وخارجها، خصوصا، مع النمو السكاني العالي وتطوير وسائل الترفيه والسياحة وتغيير بعض المفاهيم والعادات، ومنها رغبة العديد من الأسر الانتقال بين المدن في الإجازات للسياحة والمعرفة وزيارة الأقارب، والفائدة المباشرة الأخرى هو معرفة هؤلاء الشباب على متطلبات الصيانة وما تحتاج إليه من قطع الغيار والإدارة وهنا يمكن أن نتحول إلى مصنعين لبعض تلك القطع في البداية ثم نتحول إلى منتجين لأنظمة النقل والقطارات في المستقبل، والفائدة غير المباشرة أننا نبني كفاءات سعودية يمكن لها العمل في مختلف دول العالم من خلال شركات سعودية أو أجنبية، هذا المثال يمكن أن ينطبق على العديد من المشاريع التي يتم تنفيذها الآن مثل تحلية المياه وإنتاج الكهرباء وبناء الجامعات والمستشفيات وإنشاء الطرق والجسور وغيرها من المشاريع التي نراها - ولله الحمد والشكر - في كل مدينة وقرية.
إن نظرنا إلى مفهوم توطين فرص المشاريع على أنه توطين للتنمية فإننا بذلك نوجد سلسلة من الفوائد المستمرة لكل عمل نقوم به، ونشمل بذلك الإنسان والمكان فنحقق النمو والتنمية المعرفية ونحقق فرص عمل للمواطن، وفي الوقت نفسه تحقق مدننا ما تحتاج إليه من مشاريع وما تحتاج إليه تلك المشاريع من الكفاءات السعودية التي تقوم علي تطويرها وصيانتها وفقا لنظرة شاملة تجمع بين نمو وتنمية الإنسان والمكان بشكل متوازنة واقتصادي ويجعل من الجميع شركاء في تحقيق المواطنة الصالحة المنتجة المنافسة في كل المجالات، وبما يحقق طموحنا جميعا في وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد، وعالمي الطموح، والله الموفق.

وقفة تأمل:
''من قدر على شيء وهو مسؤول عنه فلم يفعل، فقد أصابته سهام الفشل والملام، ومن لم يقدر عليه عذر فيه''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي