الاقتصاد العالمي الجديد

اجتمع وزراء مالية قمة العشرين هذا الأسبوع في باريس, حيث ترأس فرنسا قمة العشرين، اجتمعوا في ظل أحداث سياسية تاريخية داخلية تمر بها العديد من دول الشرق الأوسط، ستفضي ــ من وجهة نظري ــ إلى طرح أسئلة كثيرة حول مستقبل الاقتصاد العالمي وما يمكن أن تنتجه قمة العشرين من تشريعات اقتصادية, أو بشكل أدق عن استمرار ما يسمى ''قمة قادة العشرين'' كمظلة اقتصادية عالمية. وعن مستقبل المنظمات العالمية التي أنتجتها الحرب العالمية الثانية وعن مستقبل التجارة العالمية وما يتبعها من تشريعات، وعن مستقبل الرأسمالية الجشعة التي أنتجت وأفرزت الكثير من المشكلات الاجتماعية في دول مختلفة.
ولعل الطرح يأتي كون قمة العشرين منذ نشأتها لتكون المظلة والمرجعية الاقتصادية العالمية، جاءت متزامنة مع متغيرات اقتصادية كبيرة جداً كانت حينها تمثل تحديا كبيرا للقمة لتأخذ وضعها الدولي بشكل ''عادل''، وتحدثنا حينها عن الكثير من التحديات التي تواجه مسيرة ومصداقية القمة، واليوم نركز على أن تلك التحديات تكمن في عنصرين مهمين, أولهما أن القمة خرجت كردة فعل للأزمة المالية العالمية ولم تكن حركة استباقية متفقا عليها عالميا لتفادي مشكلات محتملة. ومن وجهة نظر إدارية بحتة فإن منظمات ردة الفعل غالبا ما تفشل بسبب الضغوط الكبيرة التي تواجهها والتركيز على مناطق معينة للإصلاح, ما يتسبب في تفاقم مشكلات أخرى غابت عنها عين المصلحين إما عنوة وإما مصادفة. السبب الثاني أن المنظمة خرجت في تغير في موازين القوى العالمية على الأقل اقتصاديا، ما يجعل الاتفاق على آلية معينة لرسم أدوار الدول في خريطة الطريق المستقبلية مهمة شبه مستحيلة بسبب تضارب المصالح بين الدول التي كانت تسمى ''عظمى'' ودول النمو الاقتصادي. أو ما يسمى دول الاقتصاد الجديد. أو بسبب غياب العدالة في تركيبة المنظومات الاقتصادية ومحاولة بعض الدول استمرار سيطرتها على مفاصل صناعة القرار العالمي على أسس تاريخية، سياسية واقتصادية مرحلية.
وبالعودة إلى اجتماع وزراء مالية ومحافظي بنوك مركزية الأخير في باريس، فإن السؤال الإضافي هو عن التحديات في الاتفاق على أسس اقتصادية لقياس المؤشرات الاقتصادية, وغير ذلك، عن مدى فاعلية أو مصداقية أو ملاءمة تلك المؤشرات لاقتصاد ما بعد 2008 وبشكل أكثر أهمية عن اقتصاد ما بعد 2011؟ ولا أريد الدخول في نقاش أكاديمي حول ملاءمة نظريات الاقتصاد الكلي والجزئي التي تعلمناها لمواكبة الاقتصاد الجديد, وهل قياس الاختلال بين الدول هو مؤشر قياس العجز في الميزانية والديون, إضافة إلى مستويات المدخرات الخاص وبحيث تكون ميزان الحساب الجاري أو ميزان التجارة أو احتياطيات العملات الأجنبية أو معدلات الصرف الحقيقية هي المؤشرات الخارجية؟ الجواب الأولي كان في ردة فعل الصين على هذا المقترح, فالصين مترددة وتفضل أن يكون المؤشر بشأن ميزان التجارة وليس ميزان الحساب الجاري, والسبب هنا جلي، فالصين تهتم بفائضها التجاري الهائل مع الولايات المتحدة!
يعلمنا التاريخ أن الأنظمة الاقتصادية العالمية غالبا ما تكون نتيجة للتغيرات السياسية، والتغير في موازين القوى المسيطرة على العالم والتغير في التحالفات السياسية في مختلف القارات والتغير في قيادات الدول. جميع تلك المتغيرات أو بعضها يرسم الطريق السياسي والاقتصادي العالمي. لذلك فإن مستقبل الاقتصاد العالمي الجديد سيتأثر بشكل أو بآخر بما يمكن أن تنتجه الأشهر أو السنوات المقبلة من أنظمة سياسية, أو من أنظمة اقتصادية داخلية تجعل من مصلحة الشعوب أولوية على حساب مصالح سياسية إقليمية أو دولية.
في رأيي ــ الأسئلة لا تتوقف عند هذا الحد، إنما ستستمر في النظرة إلى عواقب الأحداث ومما يمكن أن تنتجه الأحداث العالمية المتلاحقة وعما يمكن أن تنتجه ردة الفعل الإقليمية والعالمية على أحداث معينة لدول معينة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي