الأحد, 4 مايو 2025 | 6 ذو القَعْدةِ 1446


«الأرض» .. و«تجارة التجزئة» .. هل يذهبان بالفرحة!

الأوامر الملكية التي صدرت الأربعاء، جاءت تأكيدا لمبدأ الدولة الثابت؛ وهو الاستجابة لاحتياجات الناس بما يتوقعون وأكثر مما يتوقعون، بل هي انتصار لمصلحة الطبقة الواسعة من المجتمع السعودي، والتأكيد على هذا التوجه ودعمه هو ضمان للاستقرار، لأنه ضمان حقيقي وليس شكليا.
وهذه الإرادة السياسية سوف تعالج الكثير من الإشكالات التي تواجهها التنمية، وحتى تؤتي هذه الأمور ثمارها وتحمي حياة الناس وتؤثر فيها.. تحتاج إلى الدعم بقرارات ضرورية لمعالجة أزمتين للمجتمع السعودي، فقد كانا تحديين، إلا أنهما الآن تحولا إلى أزمة وهما: (الأرض) و(تجارة التجزئة).. لماذا؟
الأمر الملكي الذي رفع رأسمال صندوق التنمية العقارية هو تقريبا أبرز ما كان ينتظره الناس، واعتماد 40 مليار ريال سوف يؤدي إلى مساعدة آلاف الأسر لتحقيق حلمها.. أي امتلاك مسكن، وهذا الحلم أزيلت من أمامه عقبة رئيسية وبقيت العقبة الرئيسية الأخرى أو الأزمة.
إنها الأرض.. هذه هي عقبة الإسكان..
إن توافر القرض يفترض أن يقابله توافر الأرض، ونشير إلى ذلك لأننا شهدنا في حالات سابقة مؤشرات لأزمة الأرض، فبعد تعزيز رأسمال الصندوق العقاري في السنوات القريبة الماضية حصل كثير من المواطنين على القرض، ولكنهم وجدوا أن الأراضي الممنوحة لهم في أطراف المدن وبدون خدمات لن تكون ملبية لاحتياجاتهم، وعندما بحثوا عن البديل في داخل المدن وفي الأحياء المطورة صدمتهم الأسعار.. فقد ارتفعت الأسعار إلى مستويات تتجاوز الـ 200 ألف ريال.. وقد انتشرت ظاهرة بيع القرض بين الناس، حيث يتنازل صاحب القرض إلى آخر مقابل مبلغ متفق عليه. لذا لا فائدة من القرض بدون الأرض!
الخطوة الحكومية الضرورية التي تحتاج إلى المبادرة هي تطوير الأراضي في مخططات المنح الحكومية التي وزعت على المواطنين، فبدون اعتماد المبالغ الضرورية لتطويرها ودعمها بالخدمات الأساسية سنعود لنواجه المشكلة الأزلية، المشكلة العائقة للتنمية، أي الأرض، والآن الناس لا يشتكون من عدم وجود الأرض، فالوزارات والهيئات الحكومية علقت مشاريعها الحيوية، في الصحة، الإسكان، والتعليم.. وغيرها، لعدم وجود الأرض!
من يصدق أن الأرض أصبحت عائقا للتنمية؟
من يصدق أنها أصبحت مصدرا رئيسيا للعديد من المشاكل؟ السبب يعود إلى أننا حولناها من أداة لبناء المدن.. إلى (سلعة للمضاربة والمتاجرة)، والآن في الأراضي البيضاء تتجمد آلاف الملايين من الريالات التي يفترض أن تكون رأس مال عاملا يفيد البلاد والعباد!
لقد قطعت الدولة شوطا طويلا رئيسيا تجاه المواطن، وبقيت خطوات قليلة ولكنها ضرورية، وهي التي تردم الهوة بين هدف الدولة وتطلعات المواطن.. الخطوة القادمة هي توفير الاعتمادات المالية لتطوير الأراضي الممنوحة، وأيضا تخصيص الأراضي الحكومية لأغراض السكن.. سواء للمواطنين أو للهيئة العامة للإسكان، هذا هو التحدي لنا جميعا.
أيضا هناك جبهة أخرى ضرورية وتستدعي التدخل الحكومي السريع وهي ضرورة (تنظيم تجارة التجزئة)، فهذه التجارة ومعها تجارة الجملة هي التي ستفوز بالقطعة الكبيرة من كعكة الأوامر الملكية، فإذا نظرنا إلى هذه الأوامر الملكية جميعها، فإننا نجد في مضامينها تدفقات نقدية كبيرة سوف توضع في أيدي الناس، ولو تأملنا الصورة جيدا لوجدنا أن أغلبها سوف يصرف على السلع والكماليات التي توفرها محال تجارة التجزئة المنتشرة في شوارعنا.
هذه المجالات ــــ كما قلنا سابقا عبر عدة مقالات ـــ هي (محتكرة وتسيطر) عليها العمالة الأجنبية، وهي (الأنبوب) المفتوح على الخارج لتحويل الأموال، فما تنفقه الدولة نصفه يذهب إلى الخارج ولا يعود.. لقد خرج من اقتصادنا ومن ناتجنا الوطني، وإذا لم نعالج هذا الخلل الهيكلي الكبير في اقتصادنا الكلي، فلن نغير على المدى البعيد في مسارات الثروة الوطنية التي يفترض أن تفيد الناس وتؤثر في حياتهم.. فقد خسرنا توليد التجار الجدد والآن ومستقبلا سوف نخسر الوظائف وأيضا العائد على التستر!
بقدر ما فرحنا بهذه التطورات الاقتصادية المهمة.. في المقابل علينا أن نتحلى بالحكمة وننظر إلى أوضاعنا، علينا أن نطرح الأسئلة الجوهرية تجاه إدارة الاقتصاد وإدارة السياسة النقدية وإدارة التجارة المحلية.. هل نحن في المسار السليم الذي يضمن كفاءة إدارة الثروة الوطنية، بحيث تساعد على تحويل توجهات الدولة وقراراتها الأساسية وإصلاحاتها.. لتكون مؤثرة في حياة الناس وداعمة لاستقرارهم ومعززة لثقتهم بمستقبل بلادهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي