أنا محبط..!!
الإحباط هو شعور الإنسان بخيبة الأمل؛ نتيجة عدم تحقيقه هدفاً وضعه نصبَ عينيه. إنه الإحساس بالفشل والتراجع، فالهدف لم يتحقق، والرغبة في تحقيق الهدف ما زالت تتملكه. وعندما يشعر الإنسان بالإحباط فإنه يفقد كلَّ شيء: الحب، الأمل، الطموح، الدافع، الهدف... إلخ. وعندما يتمكن الإحباط من الإنسان فسوف تجد إنساناً مضطرباً، يفتقد التركيز، منطوياً، لا تصدر عنه أية ردود أو استجابة للأحداث من حوله، لا يتحدَّث كثيراً، غير منتظم في عمله، كثير النوم، عصبياً، متشائماً، كل شيء بالنسبة له يمثل مجهوداً شاقاً. وتختلف درجة الإحباط بحسب التوقع وأهمية الهدف وشخصية الفرد، ويعدُّ الشباب هم الأكثر تعرضاً للإحباط بسبب الطاقات الهائلة والأحلام الكبيرة، فكيف يصل الإنسان إلى الإحباط؟ البداية هي الهدف والنهاية هي الفشل، هذا هو الطريق الذي ينتهي بسيطرة الإحباط على الإنسان، فعندما يسعى الإنسان إلى تحقيق هدفٍ معيَّن، ويبذل مجهودات مضنية في سبيل تحقيق هذا الهدف، ومن ثم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ولا يستطيع الوصول إلى الهدف، نتيجة لأسباب تتعلق به أو لأسباب خارجة عن إرادته، يتولد لديه شعور بالخيبة، يصبح متوتراً لا يدري كيف يتصرَّف؟ هو يصاب باختلال في التوازن، يتخبَّط ويفقد سيطرته على الموقف تماماً، عدم قدرته على السيطرة تقوده إلى الاستسلام للأمر الواقع، عند هذه النقطة ينشأ الإحباط، والإحباط يجعله يتوقف عن أية محاولات في سبيل تغيير الواقع، مواقف الإحباط كثيرة ومتعدّدة؛ الطالب على سبيل المثال الذي وضع نصب عينه تحقيقَ التفوق والحصولَ على درجات تؤهله للالتحاق بكلية الطب، هذا هو الهدف، لم يجتهد بالقدر الكافي أو حدثت له ظروف أسرية قبل دخول الامتحان، ومن ثم لم يتمكن من الحصول على درجات مرتفعة، هذا هو الفشل، فقدَ توازنه لأن الهدف لم يتحقق، لا يدري ماذا يفعل بعد تأكده أنه لن يلتحق بكلية الطب، أين سيذهب؟ فقد سيطرته على الموقف، لم يفكر في الأمر، فالالتحاق بأي كلية أخرى سيحلُّ المشكلة، لم يعد فرحاً بدخول الجامعة، وبدأ الإحباط يعرف الطريق إليه. هذه القصة التي تتكرَّر في ميادين مختلفة تصل بنا إلى نقطة مهمة وهي إذا كان الإنسان يسعى إلى الإحباط فباستطاعته أيضاً أن يتجنبه ويتخلص منه. والتخلص من الإحباط بحاجة إلى خطة لإحباطه، هذه الخطة تبدأ بالحفاظ على التوازن في حياة الشخص. يبدأ الإحباط بالسيطرة على الإنسان عندما يدخل في مرحلة عدم التوازن، في هذه المرحلة يفقد الإنسان أولوياتِه واهتماماته، يقول محمد قطب في كتابه ''منهج التربية الإسلامية'': التوازن هو سمة من سمات الإنسان الصالح، معنى واسع شامل يشمل كلَّ نشاط الإنسان. توازن بين طاقة الجسم وطاقة العقل وطاقة الروح، توازن بين ماديات الإنسان ومعنوياته، توازن بين ضروراته وأشواقه، توازن بين الحياة في الواقع والحياة في الخيال، توازن بين الإيمان بالواقع المحسوس والإيمان بالغيب الذي لا تدركه الحواس.
أيضا مما يساعد على مواجهة الإحباط هو الإصرار على الوصول للهدف المنشود وإعادة المحاولة تلو الأخرى حتى نحقق ما نريد. عندما فشل ''تيمورلنك'' في إحدى معاركه ولم يكن قد جرَّب الهزيمة وكاد اليأس يتسرَّب إلى قلبه وقلوب جنده، جلس بجانب صخرة بمعزل عن قواده، يفكر فيما يصنع، وبينما هو على هذا الحال، إذا بنملة صغيرة تحمل طعامها، وتحاول أن تتسلق تلك الصخرة الملساء، فكانت كلما قطعت شوطاً في صعود الصخرة، انزلقت وهوت إلى الأرض، فتجمع طعامَها ثم تعاود الصعود مرة أخرى، وظلت هكذا تصعد ثم تسقط ثم تحاول من جديد حتى نجحت في آخر الأمر، لقد كان هذا أبلغ درس تلقاه ''تيمورلنك''، لقد أبى إلا أن يشرك معه قواده في ملاحظة النملة وصبرها وقوة جلدها، فقاموا بعد ذلك يقاتلون بعزيمة جديدة وأمل جديد حتى ظفروا بأعدائهم. إذا كانت النملة لا تشعر بالإحباط ولا تستسلم للواقع، فجدير بالإنسان أن يفعل أكثر من ذلك. الحكمة هنا واضحة: لا تفقد الأمل واستمرَّ في العمل. وأنا أقلب أجندتي توقفت عند فقرة تعبّر تماماً عن التعامل مع الإحباط. هل شاهدت حجًاراً وهو يكسر الأحجار؟ إنه يضرب الصخرة بفأسه أو معوله ربما 100 مرة، وفي الضربة بعد الـ 100 انفلقت الصخرة .. بالطبع ليست الضربة الأخيرة هي التي حققت هذه النتيجة، بل الـ 100 ضربة التي سبقتها.. ما أكثر الذين يعودون بعدما قطعوا منتصف الطريق، بل ما أكثر الذين تملكهم اليأس بعدما كفاح طويل وقبل أن يجنوا ثمرته بوقتٍ قصير، لو استمروا وثابروا حتى الضربة الواحدة بعد الـ 100 لحصدوا كلَّ ما زرعوا وأكثر.
قصة ''تيمورلنك'' والنملة العجيبة هي خبرة ينبغي أن تستفيد منها، وهكذا تجاربُ الآخرين دائماً تمثل مصدراً ثرياً للتعلم والاستفادة منها في التخطيط لمواجهة الإحباط، فهذه التجارب تكلف الكثير وتستطيع أنت أن تحصل عليها (على طبق من ذهب)، بالتأكيد هناك الكثيرون الذين مروا بمواقف انتهت بتسرُّب الإحباط إلى نفوسهم، منهم مَن تعامل مع الإحباط بشكل جيد واستطاع أن يتغلب عليه، ومنهم من تغلب عليه الإحباط، أنت تستطيع أن تستفيد من الفريقين، تستطيع أن تحدّد الأخطاء التي وقع فيها الفريق الذي رفع راية الاستسلام للإحباط وسمح له بأن يسيطر على مشاعره، وتستطيع أن تستفيد من الفريق الثاني الذي حقق الانتصار وقهر الإحباط. تستطيع أن تستفيد من أخطاء الآخرين كما تستطيع أن تستفيد من صوابهم. التاجر الذي فشل في أول صفقة له في السوق وحقق الخسارة التي أصابته بالإحباط وقرَّر الانسحاب، تستطيع أن تستفيد منه. والتاجر الذي حدث له الحدث نفسه ومنِي بالخسارة ولكنه أدرك مفهوم السوق وأن الخسارة أمرٌ منطقي، وأن المحاولات القادمة لا بدَّ أن تسفر عن نجاح، هذا التاجر تستفيد منه أيضاً، في كلّ المجالات والمهن. هناك إحباطات وهناك نجاح في مواجهة الإحباطات. مطلوب منك أن تكتب قصة هؤلاء الذين تعرَّضوا للإحباط وتفكر في هذه القصص جيداً وتصل إلى استخلاص الدروس المستفادة، اكتب هذه الدروس واستعرضها دائماً واتخذها دليلاً لك في مواجهة الإحباط.
كل إنسان معرض للإحباط والشعور بالفشل.. لذا مطلوب منا ألا ندع الإحباط يفسد حياتنا ومن المهم أن نواجه الإحباط حتى نستمر في النجاح والعطاء والإنتاجية.