فوائد الاتحاد النقدي الخليجي ومتطلبات المرحلة الراهنة

نظرا لتشابك المصالح الاقتصادية لدول المجلس وتشابه هياكلها الاقتصادية وتماثل مصادر التأثير الاقتصادي وللفوائد الاقتصادية للاتحاد النقدي، فقد تم الاتفاق على إنشاء اتحاد نقدي فيما بينها حيث تم التوقيع في 16 شوال 1422هـ، (31 كانون الأول (ديسمبر) 2001م) على الاتفاقية الاقتصادية الجديدة، التي نصت على وضع جدول زمني لتحقيق التكامل الاقتصادي وإصدار العملة الموحدة في 2010م.
ودول المجلس تتشابه السياسات النقدية والمالية فيها، فالسياسة النقدية لدول المجلس معتمدة سعر الصرف الثابت ما عدا دولة الكويت التي تبنت الربط بسلة عملات يهيمن عليها الدولار، حيث يشكل أهم أهداف السلطات النقدية الفعلية في دول المجلس المحافظة على سعر الصرف مقابل الدولار. إن سياسة سعر الصرف الثابت التي تبنتها دول المجلس أدت إلى عدم فعالية السياسة النقدية وتأثرها بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كما أدت إلى استقرار أسعار الصرف التقاطعية لعملات دول المجلس الأمر الذي ساهم في سهولة اتخاذ القرار في 2003م لتثبيت أسعار الصرف مقابل الدولار. ولذا نرى أسعار الفائدة في دول المجلس تتأثر بأسعار الفائدة على الدولار. أما السياسة المالية في دول المجلس فهي معتمدة على الإنفاق الحكومي المعتمد في الأساس على القطاع النفطي فالقطاع النفطي في دول المجلس مملوك للحكومات ويشكل في المتوسط 90% من الإيرادات الحكومية لذا فالإنفاق الحكومي متأثر بالعائدات النفطية، ففي فترة انخفاض أسعار النفط تعاني ميزانيات دول المجلس العجز، كما في الثمانينيات ونهاية التسعينيات، بينما في فترة انتعاش الطلب على النفط وارتفاع أسعاره تحقق ميزانيات الدول فائضا، كما في السنوات الأخيرة. وبما أن الطلب على النفط تحدده عوامل خارجية ودول المجلس متلقية على الرغم من إنتاجها لما يربو على 23% من الإنتاج العالمي من النفط، فإن السياسة المالية تحكمها التقلبات في أسواق النفط العالمية مما يحد من قدرة دول المجلس على وضع سياسة مالية طويلة الأجل. وعمليا لا توجد سياسة مالية واضحة الأهداف لدول المجلس وتكتفي السلطات المالية في دول المجلس بالسياسة المالية القصيرة الأجل المعتمدة على التدفقات المالية حيث إن الإنفاق الحكومي مرهون بالعائدات النفطية والضرائب غير موجودة وتم الاكتفاء عنها بفرض ضريبة 100% على القطاع النفطي، الذي يشكل ما لا يقل عن 40% في الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس.
إن هذا التشابه في السياسة النقدية والمالية لدول المجلس ومحدودية أدواتها يجعلان التنسيق فيما بينها لمنطقة العملة الموحدة مهمة سهلة وغير مكلفة. وحتى ينجح الاتحاد النقدي وتحقق اقتصاديات المجلس معدلات نمو أعلى وترفع من مستوى التنمية فإنه لا بد من توحيد السياسة النقدية في سلطة نقدية مركزية ودرجة عالية من التنسيق للسياسة المالية والاقتصادية فالعملة الموحدة لا تقبل تجزئة السياسة النقدية، بل يجب أن يضطلع بها بنك مركزي يدار من قبل مجلس إدارة يتم تمثيل الدول فيه.
وقد اتفقت لجنة المحافظين على مهام السلطة النقدية المشتركة في ظل قيام الاتحاد النقدي وأن تكون هذه السلطة مستقلة في قراراتها، وأن تبدأ على شكل مجلس نقدي يتحول إلى بنك مركزي خليجي. بناءً على البرنامج الزمني للاتحاد النقدي فقد تم الاتفاق بين الدول الأعضاء على معايير التقارب ومكوناتها والنسب المراد تحقيقها وكيفية حسابها والوصول إليها. وقد أقـرّ المجلس الأعلى في دورته السادسة والعشرين (أبوظبي، كانون الأول (ديسمبر 2005). وللوصول للوحدة النقدية بين دول المجلس فقد تم توقيع الاتفاقية النقدية بين أربع من دول المجلس (السعودية، الكويت، قطر، والبحرين). كما تم إنشاء المجلس النقدي ، الذي يعمل على إنشاء البنك المركزي الخليجي وإطلاق العملة الموحدة.
وقد اتفقت دول المجلس على العملة الموحدة لما تحققه من فوائد اقتصادية ولما تشكله من خطوة تجاه الوحدة التي نص عليه نظامها الأساسي، حيث تنطوي إقامة اتحاد نقدي على عديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية والسلبية المباشرة وغير المباشرة على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي. وتتركز غالب التكاليف الاقتصادية من إقامة الاتحاد النقدي على إدارة الاقتصاد الكلي، بينما المنافع الاقتصادية للاتحاد تتركز في الاقتصاد الجزئي والتي ينعكس أثرها على رفع مستوى الكفاءة الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى.
ومن أهم الفوائد للاتحاد النقدي إلغاء مخاطر العملات الوطنية، حيث يتم إلغاء العملات الوطنية وإصدار عملة واحدة لدول الاتحاد النقدي. تعمل العملة الموحدة على تقاسم مخاطر العملة بين الدول الخليجية مما يعطيها قوة اقتصادية لا تتحقق للعملات المحلية منفردة. كما سترفع مستوى الكفاءة الاقتصادية نتيجة لاتساع السوق وانخفاض التكاليف وتوحد أسواق الدول الخليجية في سوق واحد بدلا من أربعة أسواق. تساهم العملة الموحدة في خلق سوق أكبر حجما قياسا بالأسوق الحالية القائمة على عملات وطنية مختلفة وأسواق مالية صغيرة غير متكاملة وهو ما يساعد على الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير من خلال خفض التكاليف والقدرة على تقديم الخدمات والسلع بكفاءة. الوحدة النقدية ستعزز التوجه نحو تنويع اقتصاديات دول المنطقة والحد من الاعتماد الكلي على العائدات النفطية من خلال اتساع السوق وخلق فرص أكبر للمستثمرين واقتصاديات الحجم الكبير ورفع الكفاءة الاقتصادية، إضافة إلى أن العملة الموحدة تحقق استقرار أسعار الصرف للعملات بما يؤدي إلى استقرار معدلات التضخم، وتخفيض في تكاليف المعاملات التجارية والمالية للشركات والمؤسسات والتوسع في حركة المبادلات التجارية وبالتالي تقليل أسعارها بالنسبة للمستهلك النهائي وزيادة سيولة وكفاءة أسواق المال في حالة دمج هذه الأسواق أو ربطها. وفي حالة استخدام العملة الخليجية لتسعير النفط أو تسلم عائدات النفط بدلا من الدولار فإن هذا سوف يساهم في زيادة الطلب عليها عالميا واحتفاظ البنوك المركزية والمستثمرين بها كجزء من الاحتياطيات لتغطية فاتورة النفط من دول المجلس. كما أن الاحتياطي الضخم من النفط والغاز لدى دول المجلس سوف يخلق ثقة لدى المستثمرين لاقتناء هذه العملة لتخفيف المخاطر بتنويع العملات في محافظهم في ظل حرب العملات، خاصة إذا تم ربطها بسلة عملات متوازنة وأثبت البنك الخليجي قدرته على إدارة السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على التضخم، إضافة إلى دول الشرق الأوسط التي تعتمد استخدام عملات أخرى إلى جانب عملاتها المحلية. ولا شك أن الطلب على العملة الخليجية من خارج منطقة دول المجلس سوف يحقق عوائد إضافية لدول المجلس من سك العملة، كما سيدعم قوة العملة والمحافظة على قيمتها.
يمثل الاتحاد النقدي أعلى مراحل التكامل الاقتصادي والذي يلزم الدخول فيه تقديم تنازلات سيادية على مستوى الدول، حيث تتنازل الدول عن السياسة النقدية لسلطة مشتركة فوق القومية. كما يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي التقيد بالمعايير المالية ، التي تقيد السياسة المالية للدول ، التي قد تعقبها وحدة سياسية، كما دعا لذلك النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي في المادة الرابعة ، التي نصت على ''تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها''. ولذا وعلى الرغم من أن قرار الدخول في الاتحاد النقدي يجب أن يبنى على مدى ما تجنيه الدول من فوائد اقتصادية للاقتصاد القومي ، التي لا شك تعتبر فوائد ضخمة للاقتصاد الخليجي، إلا أن الفوائد السياسية من الاتحاد النقدي ، الذي قد يتحول إلى أحد أشكال الوحدة السياسية الذي قد يشكل دافعا قويا لإنشاء الاتحاد والاستعجال فيه لتحقيق المصالح العليا لدول المجلس.
ونظرا لما تواجهه المنطقة من مخاطر سياسية وكذلك تنامي أهمية التكتلات الاقتصادية فإن المخرج الوحيد للمنطقة لتقليل المخاطر السياسية والاقتصادية التي تواجهها هو الدخول في أي شكل من أشكال الوحدة السياسية مدعومة بإصلاحات سياسية تحقق تطلعات سكان المنطقة, واتحاد نقدي قوي تنعكس آثاره الإيجابية على جميع سكان دول المجلس ويسهم في تفادي المخاطر، التي تواجهها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي