إيران تدعم حركات الاحتجاج العربية وتقمعها في طهران
يبدو أن إيران ليست بعيدة عما يجري في عالمنا العربي، فهي وإن دعمت رسميا "حزب الله" و"حماس" والتقت والعديد من الأحزاب والشخصيات السياسية وخلقت لها أدواتها في المنطقة من مثقفين وإعلاميين وصحافيين وتعمل على تمويل قطاعات كبيرة فيه، إلا أنها أيضا لها أدواتها وتنظيماتها التي تعمل بالتوافق والتفاهم معها تحت أطر مختلفة، ولهذا ينظر البعض كثيرا للتحولات في تنظيم القاعدة، خاصة علاقته بإيران وخاصة في المغرب العربي تحديدا، وعمليات التشيع مدفوعة الثمن وخاصة الجماعة المقاتلة الليبية والجزائرية والمغربية، ولهذا عمدت طهران لأن تكون رسالتها واضحة في التغيير القادم ليس للدول العربية وإنما لأمريكا أيضا؛ لأن طهران تريدها ورقة مساومة مشروطة، وعليه ليس غريبا أن يرفع المتظاهرون في البحرين صور خامنئي والخميني وكذلك في اليمن، وحديث عن مباركة وتواصل بين إيران وبعض الرموز المصرية.
العنف الذي حصل في الاحتجاجات الشعبية في الأقطار العربية الأخرى كان من قبل الجانبين وحسب الأخبار المنشورة، ويبدو أن هناك عناصر مندسة وعميلة بين المتظاهرين تحث على استفزاز القوى الأمنية لإحداث معارك بين المحتجين وتلك القوى وذلك لإثارة السخط والاحتجاج العالمي ضد السلطات الحاكمة. فمثلا نرى في البحرين أن المتظاهرين كانوا رافعين صور خميني وخامنئي وآخرين رافعين شعار "لا للعربي الخوان تحيا تحيا إيران" ويهتفون بسقوط النظام الملكي والتأييد لإيران، الوضع السياسي العربي في ظل الانتفاضات الشعبية المنتشرة من المحيط إلى الخليج أصبح معقدا جدا ومشحون بأسئلة لا بد من طرحها لمعرفة نوعية الغيوم التي تحيط بجوه.
الغريب في خضم كل هذه الانتفاضات هو التأييد الرسمي والإعلامي الغربي، خصوصا الفرنسي والبريطاني والأمريكي لها؛ على الرغم من أن أهداف الانتفاضات الشعبية كانت التخلص من النظم العربية التي ارتهنت للغرب في مجمل قرارها السياسي وقمعت شعوبها. وعلى الرغم من أن الانتفاضتين التونسية والمصرية أكدتا بأن القوى الغربية واستخباراتها أخذت على حين غرة ولم تتوقع في البداية أن تصل نتائج الاحتجاجات إلى ما وصلت إليه؛ ولهذا كانت معاييرها السياسية والإعلامية مزدوجة ومتأرجحة بين تأييد للنظام القائم وغمز بالتأييد للمنتفضين قبل أن تصمم الوقوف إلى جانب الشعب المنتفض ولكن بتحفظ.
الأسلوب نفسه استعمل في حالات الاحتجاجات التي حصلت في اليمن والبحرين على الرغم من عدم قابلية هذه الاحتجاجات تحقيق مثل ما حصل في تونس ومصر. اللافت للنظر في هذا السياق أيضا أن هذا الأسلوب الانتقادي أخذ منحى آخر فيما يخص الاحتجاجات التي حصلت وتحصل الآن في ليبيا الغنية بالنفط، حيث إن الرأي السياسي والإعلامي الغربي وحتى الإعلام العربي، يقع ومنذ البداية في كفة ميزان التخلص من الرئيس الليبي معمر القذافي. الفرق اللافت للنظر هنا أيضا هو الموقف الغربي والعربي المائع اتجاه ما يحصل في إيران وعدم اكتراثه بالتدخل السافر الإيراني في الاحتجاجات الحاصلة في البحرين واليمن. رغم أن إيران تستغل الوضع الحالي المتأزم في الأقطار العربية وتشجع وتحث الشعب العربي على الاحتجاج ضد حكامه، لكنها في الوقت نفسه تقمع الشعوب الإيرانية بالحديد والنار ضد أي تحرك احتجاجي على سياستها القمعية في مدنها المختلفة وخصوصا في الأحواز العربية المحتلة.
في خضم ما يجري في ليبيا وتونس ومصر واليمن لا بد أيضا من طرح بعض الأسئلة الأخرى حول إلى أين تريد الوصول هذه الانتفاضات وما مقاصدها على الرغم من شرعيتها الملحة؟ وهل هناك قوى خارجية تسيير هذه الانتفاضات العفوية أو المدروسة من خلف الستار، أو تحاول الالتفاف على مكاسبها وتحويلها إلى هياكل دون الوصول إلى الغاية المقصودة منها ألا وهي التغيير الجذري للنظم العربية؟ هل هناك تواطؤ غربي إسرائيلي إيراني مقصده مساعدة الولايات المتحدة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد بعد التخلص من عملائها القدماء دون أن تتدخل عسكريا أو تطلق رصاصة واحدة في الهواء من خلال الوقوف إلى جانب المتظاهرين وتأييدهم وتشجيعهم على الاحتجاج، ومن ثم توجيههم إلى حيث ما تبغي أمريكا والقوى المتحالفة معها علنا أو تحت الطاولة، خصوصا بعد الفشل العسكري الذي عايشته الولايات المتحدة بعد غزوها للعراق؟ ما طبيعة الدور الإيراني الخفي والمعلن فيما يحدث الآن في أقطارنا العربية؟
لماذا أرسلت إيران باخرتين حربيتين عبر قناة السويس إلى سورية؟ هل هذه محاولة تحويل النظر عما يحدث في داخلها من احتجاجات شعبية؟ لو أخذنا بنظر الاعتبار "العداء" بين إسرائيل وإيران، هل لإيران إمكانية خسارة أو التضحية ببارجتين حربيتين - التي من السهولة تدميرها من قبل القوة الجوية والغواصات الإسرائيلية - لمجرد الوصول إلى الموانئ السورية؟ ما الغاية من عرض العضلات الإيرانية في منطقة البحر البيض المتوسط؟ هل هي لحماية سورية أم حزب الله أم ماذا؟ لماذا سمحت السلطة العسكرية المصرية الحاكمة بعبور هذه البوارج بعد ثلاثة عقود من القطيعة مع إيران؟ وهل ترى إيران أن هناك قوى جديدة ستكون على وفاق سياسي وأيديولوجي معها ومن المطلوب مساندتها أيضا؟
ففي السياق ذاته، نشرت صحيفة "الديار" اللبنانية أخيرا تقريرا دوليا يشير إلى أن الصراع الإيراني الأمريكي في المنطقة كانت من نتائجه طبيعة ما يجري من أحداث في المنطقة، ويشير التقرير إلى أن مصر التي كانت على عداء تام مع إيران والمخابرات الإيرانية والمصرية تراقب بعضها بعضا وتقوم حرب بينها وكانت المخابرات المصرية تقوم بالتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية في هذا المجال. فإن إيران خططت بطريقة غير مباشرة لإسقاط النظام المصري وقامت بتمويل الجماعات الإسلامية وأحزاب المعارضة بملايين الدولارات ودعتهم للثورة ضد الرئيس مبارك، معتبرة أن إزاحة مبارك هو انتصار لإيران وهو ما حصل فعليا. وأن الاستخبارات الإيرانية كانت وراء محاولة الاغتيال الفاشلة لعمر سليمان الذي كان صاحب موقف واضح من إيران.
ويتوقع المراقبون أن تسعى إيران لعلاقات جيدة مع مصر دون التدخل في شؤونها الداخلية نتيجة الحساسيات الشعبية المصرية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر ولا تقبل بتدخل إيراني، لكن 80 مليون مصري مسلم تسعى إيران لإقامة علاقات جيدة معهم واستخدمت قناة "الجزيرة" الفضائية لضرب نظام مبارك، كما تستخدم قناة "الجزيرة" الآن لضرب نظام العقيد القذافي؛ لذلك فإن إيران وبلسان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام خامنئي الذي دعا إلى حلف إسلامي في الشرق الأوسط، وهناك من يروّج بين المصريين للدخول في خط الحماية الإيرانية بدلا من الأمريكية، ويرى المصريون أن هناك تنافسا كبيرا وتنافسا استخباريا بين أنقرة وطهران على مصر بعد مبارك، لكن مصر المنشغلة بثورتها لم تعلق على الموضوع، بل قامت جهات دينية أخرى برفض المشروع الإيراني باعتبار أن التحالف الإسلامي في الشرق الأوسط سيكون بقيادة إيران.
ما إن انتهت أحداث مصر وسقط نظام مبارك حتى انتقلت إيران إلى ليبيا، وإيران لها ثأر مع نظام القذافي الذي اختفى لديه الزعيم الشيعي موسى الصدر والنظام الليبي من زود صدام حسين أثناء حربه مع إيران بصواريخ أرض - أرض لضرب المدن الإيرانية، وبالتالي فإن المخابرات الإيرانية قامت بتمويل حركة الشارع الليبي ضد القذافي، خاصة التيار الديني وتنظيم القاعدة بالمعلومات والأموال والسلاح، وهذا لا يعني تجاهل نقمة الشعب الليبي ضد حكم القذافي، حيث لا مجلس نواب ولا مؤسسات، بل حكم الشعب للشعب.
أما الجيش الليبي فواضح أنه منذ قيام نظام القذافي وضع ترسانته العسكرية جانبا دون أن يعطي أية أهمية لجيشه، بل جنّد القذافي فرقة كوماندوس من 30 ألف عنصر لقمع التظاهرات أو أي انتفاضة على حكمه. ويشير التقرير إلى أنه لا يوجد أي إثبات أو أي دليل على أن إيران تقوم بتمويل هجوم "الجزيرة" ودعم المتظاهرين لإسقاط نظام القذافي، إنما تعمل قطر بتنسيق مع إيران لإسقاط نظام القذافي عبر استغلال "الجزيرة" لهذا الهدف.
وإذا سقط نظام القذافي فإن جبهة إسلامية إفريقية وشرق أوسطية ستقوم على المتوسط بدعم إيراني وإقامة أفضل علاقة معها. كما أن إيران قادرة على تزويد مصر بملياري دولار في السنة بدلا من مليار ونصف من أمريكا كما تشير بعض المصادر المصرية، فيما حسابات أمن مصر أن أمريكا هي الضمانة، لكن إيران ومن خلال التفاعل جديا مع أحداث ليبيا، وبالتالي فإن حلفا إسلاميا ثلاثيا سيتألف من الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجديد في ليبيا والرئيس الجديد في مصر، وسيكون هذا التحالف الثلاثي قريبا من إيران، وبالتالي فإن أمريكا ستفكر كثيرا في كيفية متابعة الأنظمة في مصر وليبيا والسودان، خاصة شمال السودان الذي يعتمد على عقيدة الشريعة الإسلامية وتطبيقها. وقد ظهر حتى الآن عبر الصلاة في ميدان التحرير في مصر أن اتجاه الثورة العام هو إسلامي أكثر من أي شيء آخر، كما أن ثوار ليبيا الشعبيين حملوا القرآن وهاجموا الثكنات العسكرية فتضامن معهم عناصر من الجيش الليبي.
وما إن انتهت إيران من استغلال الوضع في مصر وليبيا وقبلها في تونس حتى انقضّت على البحرين وحرضت الشعب ضد النظام الملكي، وهي تدرك أن الأكثرية في البحرين شيعية وتعمل لإنشاء مملكة دستورية، حيث يبقى الملك حمد ملكا على البحرين لكن لا يحكم، بينما الأكثرية هي التي تحكم، والأكثرية هي شيعية ومنها ستولد الحكومة، وبالتالي فإن مطالب الشيعة في البحرين تقوم على مبدأ أن يبقى ملك البحرين شرط تسليمه بانتخاب مجلس نواب والمجيء بحكومة تنبثق عن المجلس النيابي دون أن يكون للملك تأثير فيها، مع العلم أن المجلس النيابي البحريني يضم 40 نائبا، بينهم 18 نائبا من الشيعة و22 نائبا سنيا وتريد الأكثرية الشيعية أن تحصل على 28 نائبا وفق أعدادها مقابل 12 نائبا لنواب السنّة وأن اختراق إيران للبحرين يشكل خطرا استراتيجيا على دول الخليج وأمريكا التي تتواجد فيها أهم قاعدة عسكرية أمريكية في البحرين تضم طائرات استراتيجية أكبر من قاعدة قطر، كما أن البحرين هي جزيرة تقع في صلب شاطئ مجلس التعاون الخليجي وأحداثها تؤثر على دول الخليج. وأن أحداث البحرين مرتبطة بأحداث اليمن واليمن رغم صمود الرئيس علي عبد الله صالح إلا أن الثورة الشعبية مستمرة للإطاحة بنظامه، وبحسب التقارير اليمنية فإن إيران مساهم رئيس فيما يجري في اليمن، سواء كان ذلك عبر الحوثيين ودعمهم المادي وتدريبهم ودعمهم العسكري، ورفدهم بخبرات الحرس الثوري الإيراني ومن خلال تعاون إيران مع قوى الحراك الجنوبي ودعم بعض القبائل للانسلاخ عن دعم الرئيس علي عبد الله صالح في وقت تظهر دعوات انفصالية تدعمها إيران.
إنها حرب ضروس بين إيران والولايات المتحدة ساحتها ومعركتها المنطقة العربية، كما يشير التقرير، والدليل على ذلك أن إيران لم تكتف بما يحدث في بعض العواصم العربية حتى الآن، بل أسهمت في مظاهرة الكويت عبر تحريك "البدون" في وجه الحكومة الكويتية، والمعلوم أن الكويت على مسافة أمتار من إيران وسبق أن كشفت الأجهزة الأمنية الكويتية تدخلات إيرانية، ولا يجب أن ننسى أن إيران أيضا خاضت معركة رئاسة الحكومة العراقية بين إياد علاوي وبين نور المالكي المدعوم إيرانيا وقد فاز المالكي وأبعد علاوي، وهي تقف اليوم في الضد من انتفاضة جنوب العراق وشماله.
ورغم وعد الأمريكيين بأن يتولى علاوي رئاسة المركز الاستراتيجي للسياسات العليا والأجهزة الأمنية، لكن ذلك لم يتم في المجلس النيابي وبقي علاوي وزيرا عاديا وإيران قادرة على تحريك جنوب العراق وشيعته ضد الكويت ليس على صعيد اجتياح عسكري، بل لإثارة مشكلات في الكويت عبر شيعة العراق في الجنوب. إنها حرب ضروس بين أمريكا وإيران؛ فإيران تريد أن تكون القوة الكبرى الفاعلة والمؤثرة في المنطقة تمهيدا للتفاوض مع أمريكا! ولهذا كشف النقاب عن وساطة تركية للقاء أمني بين إيران وأمريكا لبحث العديد من القضايا على خلفية التداعيات في المنطقة العربية.