يمكن للبنوك الإسلامية أن تطبق «بازل 3» دون صعوبات

منذ أن صدرت اتفاقية ''بازل 3'' عقب اجتماع محافظي البنوك المركزية والمسؤولين الماليين الممثلين للأعضاء الـ 27 للجنة بازل بعد توسيعها، وذلك في مقر اللجنة في بنك التسويات الدولية في مدينة بازل السويسرية في 12 أيلول (سبتمبر) 2010، وبعد المصادقة عليها من زعماء مجموعة العشرين في اجتماعهم في سيئول العاصمة الكورية الجنوبية في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010؛ بدأ خبراء المصرفية الإسلامية يطرحون تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه المعايير الجديدة للبنوك الإسلامية، وكيفية تطويعها بما يتناسب مع طبيعة عمل هذه البنوك.
فإذا كانت هذه التساؤلات تفرضها طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد العالمي عقب الأزمة الأخيرة بوجه عام، ومدى تداعياتها وآثارها في البنوك الإسلامية بوجه خاص، على اعتبار أن هذه المعايير الجديدة جاءت استجابة لما يمكن اتخاذه من إجراءات حمائية للبنوك وتحصينها ضد تلك الأزمات مستقبلاً، وإذا كانت البنوك الإسلامية ستسعى بالتأكيد لتطبيق تلك المعايير لاكتساب مصداقية لها على المستوى الدولي؛ فإننا نرى أن هذه البنوك لن تجد صعوبات كبيرة في تطبيقها لعدة أسباب يمكن إجمالها فيما يلي:
أولاً: لقد رفعت الاتفاقية الجديدة الحد الأدنى لنسبة رأس المال الاحتياطي أو الأولي من 2 إلى 4.5 في المائة، وأضيف إليه هامش احتياطي آخر يتكون من أسهم عادية نسبته 2.5 في المائة من الأصول والتعهدات المصرفية لاستخدامه في مواجهة الأزمات مما يجعل المجموع يصل إلى 7 في المائة. فإذا كانت المعايير الجديدة قد حافظت على الحد الأدنى الإجمالي لرأس المال كما في السابق وهو 8 في المائة؛ وبإضافة احتياطي الأزمات يصبح الحد الإجمالي الأدنى والمطلوب مع هذا الاحتياطي هو 10.5 في المائة. وهذا يعني أن البنوك ملزمة بتدبير رساميل إضافية للوفاء بهذه المتطلبات، إلا أن الواقع العملي أثبت أن البنوك المركزية في كثير من الدول العربية تمكنت من فرض نسبة كفاية رأس المال مرتفعة على البنوك، بل إن دولاً عديدة منها جعلت هذا الحد لا يقل عن 12 في المائة منذ عدة سنوات، وقد سجل بعض البنوك الإسلامية فيها نسباً تقارب 18 أو 20 في المائة أحياناً، ومن المعلوم أن البنوك الإسلامية تتواجد في العالم بشكل أكبر في البلدان العربية مع التركيز على دول الخليج.
ثانياً: لقد أثبتت الأزمة العالمية الأخيرة مدى هشاشة رؤوس أموال البنوك بعد أن ضخّت الحكومات المليارات إلى بعض البنوك الكبرى، وذلك لعدم تمكن هذه البنوك من استخدام رؤوس أموالها لامتصاص الخسائر، بسبب أن تركيبتها هي أقرب إلى الديون منها إلى المساهمات النقدية الفعلية، بعد أن ابتدعت تلك البنوك أنواعاً من الأدوات المالية وأدخلتها ضمن أموالها الخاصة. والبنوك الإسلامية بعيدة عن هذا لأنها لا تعتمد على أدوات الدين في دعم رؤوس أموالها، وإنما على مساهمات فعلية من المساهمين أو ودائع الاستثمار، وكلها أموال لا تتصف بصفة الديون وإنما تشارك في الربح والخسارة، وهو المشكل الذي حاولت بازل 3 أن تعالجه بتنقية تركيبة رؤوس الأموال لدى البنوك.
ثالثاً: معظم البنوك الإسلامية وفي إطار تطبيقه لـ ''بازل 2'' لا يستخدم نماذج التصنيف الداخلي في حساب كفاية رأس المال خاصة في مواجهة مخاطر الائتمان، بل لا يزال يستخدم النموذج المعياري أو الموحد، وبالتالي لم تتورط هذه البنوك في تخفيض نسبة كفاية رأس المال المطلوبة لديها كما فعلت غالبية البنوك الغربية وبموافقة من السلطات الإشرافية في بلدانها، وهذا يعزز ما ذكرناه في (أولاً).
رابعاً: بادرت لجنة بازل منذ طرح مسودة مشروع بازل 3 إلى زيادة الرسملة المطلوبة تجاه عمليات التوريق وغيرها من الأدوات المركبة، وهي العملية التي ورّطت الكثير من البنوك في الأزمة المالية العالمية الأخيرة، والبنوك الإسلامية في منأى عن هذا لأنها لا تتعامل بالمتاجرة في الديون أو ما يُعرف بالتوريق.
خامساً: البنوك التقليدية خاصة منها الصغيرة الحجم ستواجه صعوبات في الوفاء بمتطلبات السيولة التي جاءت بها ''بازل 3'' بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، وقد اقترحت الاتفاقية الجديدة اعتماد نسبتين في هذا المجال، أحدهما للمدى القصير وتُعرف بنسبة تغطية السيولة، وتُحسب بنسبة الأصول ذات السيولة المرتفعة التي يحتفظ بها البنك إلى حجم 30 يوماً من التدفقات النقدية لديه، وذلك لمواجهة احتياجاته من السيولة ذاتياً، والثانية لقياس السيولة البنيوية في المدى المتوسط والطويل، والهدف منها توفير موارد سيولة مستقرة للبنك. والبنوك الإسلامية لن تجد صعوبة في استيفاء كل هذه المتطلبات لأن معظمها يعاني أصلاً من فائض السيولة.
أخيراً: فإن جهود التطويع والملاءمة التي يقوم بها في كل مرة مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB في ماليزيا، حيث يصدر معايير مشابهة لتلك التي تصدرها لجنة بازل من جهة، وتتلاءم مع طبيعة العمل المصرفي الإسلامي من جهة أخرى؛ تجعل البنوك الإسلامية تختصر الطريق إلى تطبيق المعايير الجديدة لـ ''بازل 3''، بشرط الالتزام بتطبيقها، وفرض ذلك من السلطات الرقابية المشرفة على هذه البنوك خاصة في الدول الإسلامية، وإلا كان إصدار مثل هذه المعايير من المجلس إهداراً للجهد والوقت والمال كما ذكرنا في منابر سابقة.
ويبقى بعد كل هذا حافز آخر، وهو أجل تطبيق هذه الاتفاقية، والذي يمتد إلى عام 2019 بما في ذلك محطات للمراجعة في كل من سنتي 2013 و2015، وهو زمن كافٍ جداً للانتقال إلى تطبيق هذه المعايير وإجراء التعديلات الهيكلية على البنوك دون هزات، وهي الميزة التي ستستفيد منها جميعاً، الإسلامي منها والتقليدي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي