«على الطاير» و«لا يكثر»: بدايات مستقبل التلفزيون!
لما ظهر موقع يوتيوب في عام 2005، وبدأ يحقق تصاعده المذهل بشكل غير مسبوق في عالم الإنترنت لتشتريه ''جوجل'' في تشرين الأول (أكتوبر) 2006 بمبلغ 1.65 مليار دولار، كنت أعتقد أن هذا التصاعد المذهل مصدره هو ظهور نوع جديد من المحتوى هو المحتوى الشخصي User-Generated Content؛ لأن الجمهور عبر عقود من الإعلام المرئي تعوَّد فقط أن يرى الفيديو المحترف، وجاء ''يوتيوب'' ليقدم له نوعا جديدا من المحتوى لم يكن متاحا من قبل، وهو المحتوى الذي يروي اللحظات المميزة في حياة إنسان عادي آخر عبر الفيديو. هذا الاعتقاد كان له ما يدعمه حيث ظهر إقبال ''خرافي'' من الجمهور على تحميل لقطات الفيديو بكل أنواعها، الأمر الذي حوّل ''يويتوب'' إلى متنفس للجمهور، بما في ذلك المتنفس السياسي للقطات التي لا تظهر على شبكات التلفزيون.
لكنني الآن في 2011 لدي وجهة نظر أخرى، وهي أن نجاح ''يوتيوب'' له سبب آخر أكثر أهمية، وهو أن الجمهور صار من سرعة الإيقاع وتشتيت الانتباه وتعدد المهام بحيث صار للفيديو القصير قيمته الأساسية مقابل المادة التلفزيونية الطويلة التي تستغرق نصف ساعة أو أكثر على شاشة التلفزيون. البرهان على أن قصر الفيديو هو أهم من مسألة المحتوى الشخصي، أن الإحصاءات تثبت بلا شك أن الفيديو القصير الذي تتوافر فيه الإنتاج الحرفي (بروفيشنال) له شعبية أكبر من الفيديو الشخصي بشكل عام.
''يوتيوب'' اكتشفت هذا الأمر، خاصة مع نجاح مواقع مثل Hulu.com وNetflix.com في أمريكا، التي تقدم محتوى تلفزيونيا محترفا يبحث عنه الجمهور ويعطيه أفضل لحظات اهتمامه، ولذلك أقدمت ''يوتيوب'' على خطة استراتيجية جديدة لتقوية المحتوى المحترف على موقعها، تمثلت في دعم الصفحات التي تملك هذا المحتوى بنسب من الإعلانات التي تحققها الصفحة، إضافة إلى تقديم برامج تدريبية ودعم مالي لمنتجي الفيديو القصير المحترف. آخر تطور في تلك الاستراتيجية شراء موقع'' يوتيوب'' شركة متخصصة في هذا المجال اسمها Next New Networks، التي حققت فيديوهاتها القصيرة على ''يوتيوب'' نجاحا مذهلا وصل إلى ملياري زيارة شهريا (شاهد الصفحة: www.youtube.com/nextnew)، وهذا يعني أن ''يوتيوب'' قد تشتري المزيد من هذه المبادرات الناجحة على موقعها، وتتحول إلى منتج عالمي مهم في مجال المحتوى القصير ذي الجودة العالية.
في العالم العربي ظهرت عدة محاولات مميزة، ومن تلك المحاولات التي اجتذبت كثيرا من الاهتمام قناة ''على الطاير'' youtube.com/3al6ayer، وقناة ''لا يكثر'' youtube.com/layektharshow ونشرة أخبار التاسعة إلا ربع youtube.com/s7ch وغيرها في مختلف الدول العربية، وهي مبادرات في النهاية ستمثل نموا مهما للوجود العربي في مجال الفيديو القصير المحترف، وهي أيضا تحقق دخلا ماديا لأن ''يوتيوب'' يمنح نسبة من الإعلانات لهذه الصفحات بعد تحقيقها حدا معينا من النجاح (عدد المشتركين والزوار).
الأهم من ذلك كله أن هناك مبادرات عديدة جدا في مجال الإعلام الرقمي على الموبايل والألواح الإلكترونية (مثل i-Pad) والتلفزيون المرتبط بالإنترنت Connected TV وغيرها، وكلها تحتاج إلى المحتوى القصير المحترف وقودا لنجاحها واستمرارها وقدرتها على المنافسة مع شبكات التلفزيون التقليدية، كما أن قدرة هذه البرامج القصيرة على الجذب ستكون عاملا مهما في انتصارها على البرامج التلفزيونية الطويلة، التي يفترض أن تموت تدريجيا لمصلحة المحتوى القصير.
مستقبل الإعلام المرئي مرتبط حسب الإحصاءات والتوقعات الحالية بالمحتوى القصير، وهناك الكثير مما يؤيد ذلك، والتجارب القائمة حاليا هي الطريق نحو هذا المستقبل والنجاح فيه، والمؤسسات الإعلامية التي تتجاهل ذلك ترتكب - في رأيي - خطأ استراتيجيا كبيرا جدا.
تحياتي لكل الشباب الصاعد والمبدع الذي يسلب ابتسامتنا ويعبر عن همومنا وينافس باسمنا في ساحة الإعلام الرقمي العالمية.