الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان

الحمد لله الذي أمر خلقه بالعدل والمساواة، والصلاة والسلام على الرسول النبي الذي بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وبعد، لقد استرعى انتباهي وأنا أقرأ بعض الكتب التي تتكلم عن حقوق الإنسان أنها تركز أكثر ما تكتبه عن حفظ وحماية حقوق الإنسان على ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما سبقه بسنوات ليست طويلة من مواثيق وعهود وقوانين وضعية، في حين أن الشريعة الإسلامية الغرّاء سبقت ذلك الإعلان العالمي والقوانين الوضعية بـ 14 قرنا تقريبا؛ ولكون حقوق الإنسان لم تصغ في نصوص مرقمة، بمثل ما نص به في الإعلان العالمي والقوانين الوضعية، فقد اعتقد غير العارفين بالشريعة الإسلامية أنها تهتم بالأمور التعبدية فقط، وهذا اعتقاد خاطئ نتيجة الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، لكن هناك كتابات وبحوثا لعلماء وباحثين إسلاميين قد أظهرت - بشكل جلي - أن الشريعة الإسلامية تتضمن أحكاما وقواعد تحفظ وتحمي حقوق الإنسان في الكتاب والسنة، واجتهاد العلماء باستنباط حقوق الإنسان بمفهومها الحقيقي الواضح التي فيها الصلاح والإصلاح، ومصدرها التشريع الإلهي في القرآن الكريم في آيات محكمات نذكر منها قوله تعـالى: ''وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ.. '' (الإسراء/ 70) وقوله عز من قائل:''إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ..'' (النحل/ 90)، وما سنّه رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خاتم المرسلين، فقال الله - عز وجل: ''وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى'' (النجم/ 4.3)، وأشير إشارة مقتضبة إلى ما أعلنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع عن الواجبات والمحرمات وإقرار الحقوق الإنسانية؛ مما يُعد بحق وحقيقة من دعائم الحرية المنضبطة، والمساواة والإخاء والمبادئ الإنسانية، وهذا سبق الثورة الفرنسية بـ 13 قرنا تقريبا، وعندما نقول إن العبرة بحقوق الإنسان بالمفهوم الحقيقي - كما سلف - فهي حقوق الإنسان التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، والمملكة باعتبارها تطبق الشريعة الإسلامية السمحة، فقد كانت تحفظ وتحمي حقوق الإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وما انضمامها إلى المواثيق والمعاهدات والاتفاقات والعهود الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان إلا نوع من الانفتاح والترابط الدولي والإقليمي، ولتبيّن لكل دول العالم نهج المملكة في حماية وحفظ حقوق الإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يغيب عن الذهن أن المملكة عند انضمامها إلى أي ميثاق أو معاهدة أو اتفاقية أو عهد تبدي تحفظها الصريح بعدم الالتزام بالنص الذي يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا أمر مقرٌ دوليا، فضلا عن ذلك، فإن وجود هيئة حقوق الإنسان استدعى انضمام المملكة إلى عضوية الاتحادات الدولية والإقليمية؛ لكي يكون التواصل والشفافية لأداء الهيئة داخليا وخارجيا، والمشاركة في الاجتماعات باعتبار ذلك من أهم مقومات التواصل والانفتاح على العالم الخارجي ليعرف أن المملكة سبّاقة - وبمستوى عال - في حفظ وحماية حقوق الإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات والعهود الدولية والإقليمية، فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقد نص على ذلك في النظام الأساسي للحكم عندما قضت المادة السادسة والعشرون على أن (تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية)، وفي النظام ذاته نص في المادة السادسة والثلاثين بأن (توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه، إلا بموجب أحكام النظام)، وفي المادة السابعة والثلاثين من النظام نفسه نص على أن (للمساكن حرمتها، ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها، ولا تفتيشها، إلا في الحالات التي يبينها النظام)، فهذان النصان ركزا على أهم حقوق الإنسان، مع أن كثيرا من حقوق الإنسان مكفولة بأنظمة أخرى مثل حق العمل، وكسب المعيشة، بل إن الدولة تبذل الجهد للقضاء على البطالة، وحق الضمان الاجتماعي، وحق الصحة البدنية والعقلية، والحريات العامة المنضبطة بعيدا عن الحريات والتصرفات المحرمة، وحرية الرأي المستقيم، والمساواة وعدم التمييز، والعدل وغيرها من الحقوق الكثيرة التي يطول تعدادها وحصرها.
وهيئة حقوق الإنسان، وإن كانت تأسست بقرار سياسي لتقوم بدور أساسي لحماية حقوق الإنسان وحفظها، فإنها تتمتع باستقلالية تامة، وتقدم استشارات للقيادة، فضلا عن نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتوعية بها لكل مواطن أو مقيم، ورصد أي انتهاكات وتجاوزات قد تحصل لحقوق الإنسان، وفق آليات رقابية منضبطة، بما يحقق الأهداف والمقاصد التي أنشئت من أجلها، وترابطها مع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لكون أهدافهما واحدة، وكل منهما مكمل للآخر في تحقيق الأهداف، فكل من الهيئة والجمعية تتلقى الشكاوى، وتستقصي عن مدى صحة كل شكوى بمكاتبات أو لجان متخصصة؛ للتأكد من كل الجوانب بحيث تعرف حقيقة ما أثير في كل شكوى، وتتخذ الإجراء المناسب؛ إذ لا يفترض أن كل شكوى تكون صحيحة، فقد تكون كيدية، ثم إنه لو تبين أن الشكوى تختص بالنظر فيها جهة معينة مثل القضاء العام أو الإداري أو الجهات الرقابية الأخرى، فإن الهيئة أو الجمعية ترشد صاحب الشكوى بأن يقدم شكواه إلى الجهة المختصة.
ولا بد من الإشارة إلى دورهما الحقيقي في تعريف الاتحادات والمنظمات والرأي العام الدولي والخارجي بمواقف المملكة نحو قضايا ودعاوى حقوق الإنسان، وما قد يثار حولها من تساؤلات وتشكيك، ومعرفة ما لدى الجهات الخارجية من ملحوظات، فإن كانت صائبة يتم تصحيحها، فضلا عن بيان الفروق بين الهيئة والجمعية، والجهات الحقوقية الرقابية، كهيئة التحقيق والادعاء العام، والمحاكم العامة والمتخصصة، وديوان المظالم باعتباره قضاء إداريا وغيرها من الجهات التي لها صلة بحقوق الإنسان حسب اختصاصاتها.
ما تقدم ذكره مجرد رؤوس أقلام، وإيجاز متناهٍ عن حفظ وحماية حقوق الإنسان في المملكة، والذي يُعطي انطباعا عن اهتمام القيادة العليا بحقوق الإنسان، وفَّق الله الجهات المعنية بالقيام بدورها، والوفاء بمسؤولياتها كاملة غير منقوصة، فهو - عز وجل - هو الرقيب والمحاسب عن كل تقصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي