طفرة سعودية في محيط كساد عالمي
لعل من بين ما يميز أوامر خادم الحرمين الشريفين -أمده الله بالصحة والعافية وأطال في عمره ذخرا لوطنه وشعبه ـــ من خلال 21 مرسوما ملكيا يوم الجمعة ''السعيد'' قبل الأمس، هو النكهة الاقتصادية التي شملت عددا من القطاعات، التي لن تكون فقط ذات أثر في المنظور القريب، بل ستحدث نقلة نوعية إيجابية بعيدة المدى على الاقتصاد الكلي فيما يتفق وحجمه وإمكاناته. لقد شملت قطاعات عديدة من أهمها سوق العمل والخدمات الاجتماعية كالصحة والسكن وتعدى إلى ما هو أبعد في قضايا ذات علاقة بالركائز والأسس الثقافية والثوابت الدينية، التي بلا شك لها أيضا انعكاس اقتصادي في نهاية مطافها. يُضاف إلى ذلك الاهتمام بما هو في غاية الأهمية، خصوصا حين تعيش الأمم مراحل طفرة اقتصادية وبالذات الدول النامية وهو قضية الفساد المالي ومكافحته والحد من مظاهره وذلك انطلاقا من الإيمان بأن الهدر والفساد المالي هو من يقصم كل نهضة ويقوض بنيانها مهما بلغت درجات النمو في أي اقتصاد.
فبلغة الأرقام الاقتصادية تقدر المبالغ الرأسمالية التي أعلنت في هذه الحزمة الاقتصادية ما يوازي 350 بليون ريال، التي تشكل 21 في المائة من حجم الناتج الإجمالي المحلي لعام 2010م، وهذا يوازي تقريبا أكثر من 50 في المائة من حجم الإنفاق الحكومي لميزانية 2010 كاملة. ولا شك أن هذه النسب العالية التي تعكس مدى حجم هذه المنظومة من الدعم في جسد الاقتصاد السعودي ستطول بإيجابية كل شرائح المجتمع وجميع أطيافه لتدعم تنامي حجم إنتاجه الإجمالي بشكل كبير. إن تعدد أوجه الدعم أو التنظيم الحكيم الذي جاءت به هذه الأوامر يجعل من الصعوبة استقراء جملة الانعكاسات على كل قطاع لكون جميع القطاعات الاقتصادية بلا استثناء ستتأثر من جرّاء هذه الطفرة سواء في المديين القريب والآني أو المتوسط والبعيد المدى لكون مثل حجم هذه الإجراءات الاقتصادية عادة لا يقتصر أثرها على القطاع بذاته، بل سيطول كذلك أكثر من قطاع لوجود ما يسمّى بمضاعف أو منفعة الانتشار من جرّاء مثل هذا الزخم الكبير من الدعم والتعضيد المفصلي في الاقتصاد.
إن من طبيعة بعض الأوامر التي صدرت ستكون ذات أثر آني مثل أوامر الرواتب بينما هناك ما هو متعلق بجهات حكومية وغير حكومية يجب أن تتعاون معا لترجمة رؤى ورغبة خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ علاوة على طبيعة هذه القضايا الاقتصادية في كونها تحتاج إلى وقت للتنفيذ، فمثلا في قضايا السعودة أو الإسكان أو حتى دعم المستشفيات الخاصة وغير ذلك مما يمس محاور تتقاطع فيها مصالح القطاع العام والقطاع الخاص لا بد أن يضطلع القطاع الخاص بحمل لوائها لكونه المنفذ لهذه الرؤى، فالقطاع الحكومي أعطى أكبر مما هو منوط به، لذا فتغليب الحس الوطني وتفعيل جذوته يجب أن يكونا أولوية يضعها هذا القطاع ـــ أي القطاع الخاص ـــ كونه المسؤول عن رؤية نتائج إيجابية يلمسها المواطن قريبا، فالشركات الأجنبية والاستثمار الأجنبي، خصوصا في ظل ظروف كساد ومآس اقتصادية نتابع أحداثها يوما بعد آخر في العالم، يرى أن في الاقتصاد السعودي واحدا من منافذ الاستثمار المتميز، وبالتالي الرغبة في الظفر بجزء من هذه الطفرة. نعم، لا بأس بالشراكات ونقل التقنية أو سرعة الإنجاز، لكن ليس على حساب مقاصد رؤية الرفاه، التي يرسمها ويعيد تخطيطها ساعة بساعة مهندسها وقائدها الكبير خادم الحرمين الشريفين.. أمد الله في عمرك أبا متعب ودعواتنا لك مثل ما أوصيتنا بأن يحفظك المولى ـــ جل وعلا ـــ ويديم عليك الصحة والعافية والتوفيق والسداد.