العلاقة بين الملك والشعب .. محاولة للفهم

المتابع لصور التلاحم بين الشعب والقيادة خصوصا بعد الجمعتين الفائتتين (جمعة الولاء ثم جمعة العطاء) قد لا يستطيع فهم طبيعة هذه العلاقة إلا أبناء هذا الوطن الوفي. فالعلاقة "أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها". ولعل الإعلام يتحمل جزءا من هذا التقصير خصوصا الإعلام الخارجي.
وبحكم تواجدي في بريطانيا، سئلت ونحن نحتفل الجمعة الفائتة مع مجموعة من الأكاديميين في إحدى الجامعات البريطانية عن سبب الحب الكبير الذي يحظى به الملك عبد الله بن عبد العزيز في قلوب السعوديين؟
فقلت إن العلاقة بين الملك عبد الله وبين الشعب تعدت الإطار الإداري التقليدي المطبق في العديد من الدول, والذي يستخدم فيه مصطلح administration. فهذا النوع من الإدارة تدار الحكومة كإدارة الشركات والمبنية عادة على مدخلات ومخرجات يكون القرار النهائي فيها مبنيا على خلق توازن بين أحزاب وشركات تشارك في صناعة القرار النهائي. فالهدف النهائي لهذه الإدارة ليس السعي من أجل تحقيق ما فيه مصلحة الشعب ولكن ما يضمن استمرار الحكومة. لذا تجد أن العديد من الحكومات تعد ناخبيها بإصلاحات لكن ما إن تصل إلى الحكم حتى تتغير أولوياتها. لذا تستمر مطالب الشعوب مع اختلاف الحكومات. فالكل يسعى أن يصل إلى الحكومة لكن ليس بالضرورة في سبيل تحقيق متطلبات شعوبهم. فأحيانا كثيرة تكون ضغوط الشركات والأحزاب تمنع الحكومات من تحقيق متطلبات رجل الشارع البسيط مما يفقد هذه الحكومات المصداقية مع شعوبها على المستوى المتوسط والطويل. لذا نجد أن كثيرا من الشعوب أدركت هذه الحقيقة مما جعل مشاركاتها في الانتخابات لا تتجاوز 50 في المائة.
أما نحن في المملكة العربية السعودية فالعلاقة علاقة أبوية لها إرث شرعي واجتماعي عميق لا مجرد قرارات إدارية بحتة تعامل وفق عمل آلات الصرف الذاتي. هذه النظرة الاجتماعية التي ينظر لها البعض بأنها نظرة عاطفية هي استراتيجية كبرى الشركات الآن. فالشركات الكبرى تدرك الفرق بين استراتيجيتين:
الاستراتيجية الأولى مبنية على كيفية تحقيق أرباح مؤقتة وكبيرة من أجل إرضاء كبار المستثمرين (غالب شركات التقنية).
بينما الاستراتيجية الثانية مبنية على ضمان بقاء الشركة للعيش لفترة طويلة Longevity مع التركيز على الجانب الإنساني والبشري وليس بالضرورة المنافسة في تحقيق أرباح خيالية. شركة شل مثلا تبنت هذه الاستراتيجية (الاستراتيجية الثانية) مما دعم بقاءها لفترة طويلة تزيد على المائة عام على الرغم من التغييرات السياسية والاقتصادية خلال هذه السنوات. فشركة شل تنبهت إلى أهمية الاهتمام بالجانب البشري الإنساني على التعامل المادي مما دعم بقاءها إلى الآن, ويمكن مراجعة كتاب الشركة الحية "The Living Company المطبوع من هارفرد لمن أراد الاطلاع بشكل أوسع.
فحكومة الملك عبد الله بن عبد العزيز مزيج خالص بين أبوية صادقة وقرارات حكيمة. فالنظرة الأبوية مهمة لأن الأب عادة يختار لأسرته ما يراه مناسبا لها. فهل يتوقع من أب أن يفسد بيته؟ فالموطن في السعودية يشعر بإدارة أبوية كريمة تعطي الطمأنينة للشعب بأن قرارات الحكومة تنطلق من أجل المواطن وتصب في مصلحته وتضمن الاستمرار لفترات طويلة. كما أن صوت المواطن مسموع عبر قنوات متعددة, ولعل آخرها إنشاء جهاز للتواصل مع المواطنين في الديوان الملكي واعتماد 300 وظيفة لهذا الغرض.
إننا في المملكة العربية السعودية محسودون على قيادة تعمل بإخلاص ومن أجل المواطن فقط. لكن الإعلام الخارجي له أهدافه وتطلعاته التي لا تتوافق مع اهتمامات المواطن وتطلعاته. لذا تفاجأ الإعلام الغربي بتكاتف صادق بين الحكومة والشعب. كما أن الإعلام الخارجي لا يعي حقيقة مفهوم الأسرة الواحد والبيت الداخلي الكبير المتكاتف للشعب السعودي.
قبل أكثر من شهر تحدثت عن طبيعة هذه العلاقة وخصوصا ما بين الملك عبد الله والشباب في مقال بعنوان "الفجوة مع الشباب أين الخلل؟" وقد ذكرت أن صورة التلاحم والانسجام بين خادم الحرمين الشريفين والشباب المبتعث تعطي البلاد أمانا وطمأنينة بصدق النية والثقة المتبادلة بين قيادة صادقة وشباب طموح. كما أن صورة التلاحم بين الأب وأبنائه تقطع الطريق على المتربصين والحاقدين على هذه البلاد نحو تحقيق أهدافهم الدنيئة."
وفعلا أجلت الأحداث اللاحقة هذه الحقيقة.
الجميل في القرارات الملكية الأخيرة أنها ركزت على ردم هذه الفجوة التي كان يشعر بها بعض المواطنين خصوصا فيما يتعلق بضعف الأجهزة الرقابية التي أشرت إلى جزء منها في المقال السابق الذكر. فصدر مع وصول خادم الحرمين الشريفين من رحلته العلاجية أوامر ملكية متعلقة بإحداث (300) وظيفة لديوان المراقبة العامة. وإحداث (300) وظيفة لهيئة الرقابة والتحقيق. كما صدر في الجمعة الماضي بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وإحداث 500 وظيفة رقابية في وزارة التجارة وتأكيد المحاسبة والتشهير بالمتلاعبين بالأسعار. فهذه خطوات مهم لإصلاح جانب كان يعني من ضعف خصوصا أن ارتباطه مع الملك مباشرة.
ولعلي أختم مقالي هذا بما ختمت به مقالي السابق الذكر من "أن المحبة التي يزخر بها خادم الحرمين الشريفين لدى أفراد المجتمع, خصوصا الشباب, ليست محض الصدفة, لكنها عربون صداقة متبادلة بين أب حنون وشباب متطلع إلى السير ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات. هذا الشعور المتبادل يجب ألا يكدره تقصير بعض المسؤولين التنفيذيين, إنما يدفع إلى مزيد من التواصل لكشف وفضح ـــ إن لزم الأمر ـــ كل من يقف حجر عثرة في وجه تقدم هذه البلاد".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي