الشرق الأوسط.. الأكثر تعرضا لمخاطر نقص المياه
يتعرض الشرق الأوسط لموجات متلاحقة من التحولات السياسية وأحداث متدافعة تحمل رياح التغيير, وقد احتلت هذه الأحداث مكان الصدارة في وسائل الإعلام العالمية بدءا من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى البحرين إلى سورية وغيرها. وقد حملت هذه التطورات في ثناياها توترات تصحب عادة كل جديد, ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالشكل الذي ستنتهي إليه كل حالة. غير أن أهم من ذلك كله هو خطر العطش الذي يهدد المنطقة, ذلك أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديهما أقل كميات مياه توفر أي نوع من الأمن المائي. يزيد المشكلة تفاقما أن المنطقة لا تعرف الاستقرار السياسي منذ عقود, وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع في أسعار النفط في المستقبل.
وقد أظهرت دراسة حديثة صدرت عن استشاريي المخاطر البريطانيين ''مابل كروفت'' أن هناك 18 دولة تعاني حالة خطر حرجة للغاية فيما يتعلق بمواردها المائية من بينها 15 دولة في الشرق الأوسط.
وتضم القائمة عددا من أهم دول تصدير البترول بما فيها المملكة, والكويت والإمارات وليبيا والجزائر. وقد تكون هناك نتائج مهمة وحرجة على الصعيد العالمي إذا استمر الوضع على هذا المنوال.
ويرى المحللون المهتمون بالأحداث العاصفة التي يمر بها الشرق الأوسط أن سبب المشكلات كانت عوامل واعتبارات سياسية أو اقتصادية, خاصة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة, ولم يكن الماء ضمن حسابات أحد ممن يبحث عن جوهر المشكلات, لكن من الواضح أن النقص الحاد في المياه وسوء إدارة الموارد المائية والصراعات حول المشاركة في الموارد المائية, سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.
ويقول توم ستايلز، وهو محلل متخصص في المياه، ويعمل في ''مابل كروفت'': ''إن المياه لن تكون السبب الأوحد للقلاقل المدنية أو الصراع الدولي, لكنها ستكون عاملا مساعدا لمثل هذه المواقف، أو أن تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير''.
ولو أخذنا سورية كمثال لاضطرابات المياه, سنلاحظ أن مدينة درعا الواقعة جنوب البلاد تعرضت لموجات هجرة متلاحقة وفدت من شرقي البلاد الذي تعرض لموجة جفاف مدمرة, وبلغت تقديرات أعداد من تأثروا بهذا الجفاف على امتداد أربع سنوات 1.3 مليون نسمة.
وعندما نتناول بالدراسة والتحليل مشكلة المياه في دولة فإننا نضع عدة اعتبارات، هي:
ــ معدل النمو السكاني في هذا البلد لقياس التوسع في احتياجاته المستقبلية.
ــ مدى الاعتماد على مصادر مياه واردة من الخارج، حيث احتمالات ارتطام المصالح والصراع وتداخل الحسابات السياسية والاقتصادية.
ــ أسلوب استخدام المياه, وهل هناك إسراف مبالغ فيه أم تعقل وترشيد؟
ــ فاعلية السياسة المائية للحكومة, إضافة إلى أمور أخرى.
وإذا ما طبقنا هذه المعايير فإن موريتانيا تتصدر الدول ذات المخاطر العالية, وتليها الكويت ثم الأردن ثم مصر ثم إسرائيل وفلسطين.
وتتناول دراسات المياه كذلك الاستخدام الفعلي للمياه, الذي يوضح مدى دخول المياه في السلع الغذائية المستوردة, لذلك فعندما يحدث شح مائي فإن أثر ذلك يظهر فورا كما حدث مع روسيا عندما تعرضت لموجات جفاف وتصاعد حراري شديد أصاب القطاع الزراعي، فما كان منها إلا أن أمرت بتحديد صادرات القمح, ما أدى إلى ارتفاع أسعاره في السوق العالمية.
ويبلغ نصيب الفرد في منطقة الشرق الأوسط 1200 متر مكعب, وهو ما يقل بنسبة 20 في المائة عن المعدل العالمي. كما أن الأنهار والمكامن المائية يجري استغلالها بضراوة. وتقرر تقديرات البنك الدولي أن هناك سبع دول في منطقة الشرق الأوسط تبالغ في ضخ المياه من الآبار والمكامن المائية وخزاناتها الطبيعية الكائنة تحت الأرض, بينما قل تدفق المياه في أنهار تركيا وسورية والعراق والأردن ولبنان بنسب هائلة راوحت بين 50 و90 في المائة على امتداد العقود الخمسة الماضية.
ومما يزيد حالة الانزعاج ما ورد في دراسات مشروع الأمم المتحدة للمياه، من أن هناك 30 دولة ستصبح المياه لديها ضئيلة وقليلة للغاية في عام 2025 بعدما كان عدد هذه الدول 20 دولة فقط عام 1990. ومن بين الدول الـ30 هناك 18 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بل إن بيانا صدر عن منظمي يوم المياه العالمي أوضح أن أكثر مناطق العالم معاناة من الصراعات المائية في المستقبل هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولعل أكثر بقاع المنطقة توترا هي تلك التي تشهد نقطة الوميض، ونعني بها الدول المتعددة التي تتقاسم مياه نهر واحد. فنهر النيل على سبيل المثال تشارك فيه تسع دول بما فيها مصر والسودان, وهما دولتان من دول الشرق الأوسط والشمال الإفريقي, كلتاهما قاحلة جدباء تحصلان على احتياجاتهما المائية من نهر النيل. أما إسرائيل فلها قصة أخرى مع الأردن فيما يتعلق باقتسام مياه نهر الأردن, كما أن هناك خلافات وصراعات حول مكامن المياه الجوفية.
وعودة إلى نهر النيل, فقد تم توقيع اتفاقية مشاركة في مياه النيل تسمح بالمساواة للجميع في الحصول على حصتهم من النهر, وقد وقعتها دول المنبع, لكن السودان ومصر رفضتا التوقيع خشية أن تقل كمية المياه المتاحة لهما بمقتضى هذه الاتفاقية. وتضمن مصر الآن الحصول على 56 مليار متر مكعب، وتهدد باستخدام القوة ضد دول المنبع إذا حاولت تقليل وارداتها من الماء.
والمعروف أن صناعة البترول في خطر شديد مع تضاؤل كميات المياه بسبب مياه الرفع التي يجري ضخها لإطالة أمد إنتاجية الآبار, والمعروف أن أكبر حقل نفط في العالم وهو حقل الغوار السعودي يستخدم المياه للحقن كلما ركدت معدلات الإنتاج. ومع قلة المياه فإن مياه الرفع ستقل وسيتضاءل معها حجم النفط, ما يرفع أسعاره. وقد حددت منظمة الدول المصدرة للبترول ست دول في موقف الخطورة واثنتين أخريين في موقف أعتى درجات الخطورة, وهذه الدول الثماني تنتج 45 في المائة من إجمالي إنتاج النفط في العالم حسب إحصائيات 2009.
وهناك عدة تطورات متوقعة منها لجوء الحكومات إلى ترشيد الاستهلاك ورفع أسعار المياه, ما يؤذي الصناعات القائمة على المياه. ولذلك فإن كثيرا من الشركات بدأت تدرك أهمية سمعتها فلا تبالغ في استخدام المياه. والخوف الأعظم هو سوء الأحوال الجوية, بحيث يسود الجفاف وتقل المياه. إنها مشكلة كامنة وعلى وشك التحرك وعندئذ سيشعر العالم بهزة كبرى في استقراره.