مستقبل السوق البترولية في ظل الأوضاع الدولية غير المستقرة

هناك نقاش يدور هذه الأيام بين أكثرية تقول إن الأسعار الحالية للبترول تعتبر مرتفعة, وأقلية تقول إن هذه الأسعار يجب أن ترتفع عن مستوياتها الحالية. وقبل أن نتناول هذه النقطة بشيء من التفصيل دعونا نلقي نظرة على ما يمر به الاقتصاد العالمي حالياً.

التوقعات حول
الاقتصاد العالمي

تشير التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى عودة النمو الاقتصادي بسرعتين مختلفتين : فالدول الصاعدة ستنمو بمعدل يلامس 6.5 في المائة بينما الدول المتقدمة ستنمو بمعدل لن يتعدى 2.5 في المائة. أما الاقتصاد العالمي ككل فسوف يصل معدل نمو ناتجه المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 4.5 في المائة. كما يتوقع أن يستمر هذا النمو للسنتين القادمتين على الأقل. غير أن هذه التوقعات الإيجابية قد تتغير فيما لو تعرضت إمدادات البترول لأية عوائق أو فيما لو خرج التضخم عن السيطرة, أو في حال انفجرت أزمة الديون السيادية كما تشير الإحصائيات إلى زيادة في دخول الطبقة العمالية مما يوحي بأن أرباب البيوت إلى جانب الشركات والمؤسسات قد استفادوا جميعاً من زيادة الدخول. إلا أن البطالة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية ستظل, لسوء الحظ , مرتفعة لبعض الوقت.
أما الدول الصاعدة فإنها ستظل في وضع أفضل من الدول المتقدمة, إلا أن عليها أن تصل إلى التوازن المطلوب بين معدلات النمو المرتفعة وبين نسبة التضخم التي يمكن التعايش معها.
من جانب آخر فإن المعدلات المرتفعة لنسبة البطالة في الولايات المتحده ستؤخر أي توجه لدى البنك الاحتياطي الفدرالي لرفع معدل سعر الفائدة, وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى.كما أن انخفاض سعر صرف الدولار سيشجع على شراء المواد كمخزن للقيمة, وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المواد.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى أن معدلات التضخم قد بدأت بالصعود. وهذا ليس مفاجئاً إلا أن أسبابه تختلف من مجموعة دولية إلى أخرى. ففي الدول المتقدمة التي تعتبر معدلات نموها الاقتصادي منخفضة إلى حد ما , نجد أن معظم أسباب التضخم تعود إلى ارتفاع أسعار المواد. أما في الدول الصاعدة فإن أسباب التضخم تعود إلى زيادة الطلب نتيجة لزيادة النشاط الاقتصادي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يتوقع أن تقوم الدول الرئيسية بسحب سريع لبرامج التحفيز الاقتصادي في بحر عام 2011. غير أنه ينبغي التأكيد أن معظم الدول المتقدمة لا تزال في حاجة ماسة إلى تصحيح الخلل الكبير في ماليتها العامة.

ماذا يجري لأسعار المواد؟

تذهب تقديرات عدد من الاقتصاديين إلى أن أي معدل لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي فيما بين 1.5 في المائة إلى 2 في المائة سيؤدي إلى عجز في المعروض من المواد بما في ذلك البترول. وكما ذكرت سابقاً فإن تقديرات صندوق النقد الدولي لعامي 2011 و2012 تتوقع نمواً حقيقياً في حدود 4.5 في المائة. كما يلاحظ أن مخزونات معظم المواد قد تقلصت. يضاف إلى ذلك أن انخفاض أسعار الفائدة يقلل تكاليف الاحتفاظ بهذه المواد مما يشجع على شراء المزيد منها, كما أن التضخم هو الآخر يعتبر عاملاً مشجعاً على مزيد من الشراء , ولا شك أن الدول النامية المنتجة لهذه المواد, بما في ذلك الدول المنتجة للبترول ستستفيد من الزيادة في الطلب على هذه المواد ومن ثم زيادة أسعارها. إلا أنها ستواجه هي الأخرى أرتفاعاً في تكاليف المواد الغذائية.

السوق البترولية

استناداً إلى إحصائيات وتوقعات منظمة الطاقة الدولية فإن الاستهلاك العالمي للبترول زاد في عام 2010 بمعدل 2.7 مليون برميل يومياً . وتتوقع هذه المنظمة أن يزداد الاستهلاك هذا العام (2011) بمعدل 1.7 مليون برميل في اليوم و 1.5 مليون برميل في اليوم للعام الذي يليه(2012) . وعليه يمكن القول إن الزيادة غير المتوقعة التي حصلت في أسعار البترول عام 2010 كانت ناتجة عن زيادة الطلب. أما الزيادة في الأسعار التي نشهدها منذ بداية هذا العام (2011) فهي ناتجة عن القلق الذي يساور المستهلكين تجاه العرض. كما أن هذه الزيادات في الطلب ستشكل ضغوطاً على الطاقات الإنتاجية الإضافية لدى الدول المنتجة.
يضاف إلى ذلك أن الأوضاع السياسية الحالية لبعض الدول المنتجة قد أثرت ليس فقط على كميات المعروض من البترول الخام وأسعارها , وإنما أيضاً كان لها تأثير سلبي على مناخ الاستثمار عموماً. كما أدت إلى زيادة المخاوف حول نقل البترول والغاز والمنتجات المكررة عبر طرق النقل الرئيسية مثل مضيق هرمز, وباب المندب وقناة السويس وخط سوميد.
إضافة إلى ما سبق هناك عوامل أخرى ساهمت في الارتفاع الحالي للأسعار, منها:
1- على الرغم من أن المخزونات في معظم الدول الأعضاء في منطقة التعاون والتنمية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة إلا أن معدلات الطاقة الإنتاجية الفائضة في عدد من الدول المصدرة للبترول انحسرت أو تلاشت تماماً.
2 – إن الانخفاض في سعر صرف الدولار الأمريكي الذي يسعر به البترول يدفع الدول المنتجة إلى البحث دائماً عما يمكن أن يعوضها عن هذه الخسارة.
3 – لقد أظهرت التجارب السابقة أنه في حالة عدم ارتفاع أسعار البترول عندما يرتفع الطلب فإن الدول المستهلكة الرئيسية تلجأ عادة إلى استغلال الفرصة لفرض المزيد من الضرائب على البترول حتى وصلت هذه الضرائب إلى 60 في المائة من الأسعار الحالية لوقود السيارات في أوروبا وحدها.
4- تواجه الدول المنتجة الرئيسية ارتفاعاً متزايداً في المصروفات لتلبية الاحتياجات المتجددة لمواطنيها . وقد قدرت الزيادة السنوية لهذه الاحتياجات في حدود 7 في المائة من حجم الميزانية وذلك دون الأخذ في الاعتبار الزيادات الأخيرة في المصروفات التي أعلن عنها في عدد من دول مجلس التعاون.
وقبل أن أختتم لابد من الإشارة إلى نقطتين حول تأثير الزيادة في أسعار البترول على كل من معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي والتضخم:
أ- من الملاحظ أن تأثير ارتفاع أسعار البترول على معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بدأ يتضاءل إلى حد كبير في الفترة الأخيرة. فالمستهلكون الرئيسيون يستهلكون حالياً (2011) نفس كمية البترول التي كانوا يستهلكونها في عام 1980. وقد قدر صندوق النقد الدولي أن زيادة بنسبة 10 في المائة في أسعار البترول ستقلل معدل النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.2 في المائة وذلك نظراً لانخفاض نصيب البترول في مكونات الدخل القومي. وقد أمكن تحقيق هذا التحسن نتيجة لزيادة الكفاءة في استخدام الوقود و استخدام المزيد من الاثينول وفرض المزيد من الموصفات التي تحد من استهلاك البترول.
ب – أما بالنسبة لتأثير الزيادة في أسعار البترول على التضخم , فقد قدر نصيب البترول في سلة أسعار المستهلك في الدول المستهلكة الرئيسية في حدود 10 في المائة. وعليه فإن زيادةً في أسعار البترول في حدود 10 في المائة سوف لن يتعدى تأثيرها على سلة أسعار المستهلك في هذه الدول عن 1 في المائة . كما أن البنوك المركزية في الدول المستهلكة الرئيسية قد لجأت في السابق كما تقوم حالياً باللجوء إلى استخدام السياسة النقدية للحد من أي تأثير سلبي محتمل لارتفاع أسعار البترول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي