التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة
تلعب المشروعات الصغيرة دورا أساسيا في استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معظم دول العالم، وفي ظل حاجة الدول العربية إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي، ومواجهة مشكلة البطالة، وتوفير الحياة الكريمة لأبنائها تبدو أهمية الاهتمام بالمشروعات الصغيرة لدورها المحوري في تحقيق ذلك.
فواقع العرب المعاصر يكشف أنه لا توجد دولة عربية واحدة محصنة ضد البطالة بصفة عامة، حيث تشكل البطالة أكثر من 14 في المائة، ويصل عدد العاطلين العرب إلى نحو 18 مليون عاطل، 60 في المائة منهم من الشباب، وهو ما دعا منظمة العمل العربية إلى القول بأن على الاقتصاديات العربية ضخ نحو 70 مليار دولار، ورفع معدل نموها الاقتصادي من 3 في المائة إلى 7 في المائة، واستحداث ما لا يقل عن خمسة ملايين فرصة عمل سنويا؛ حتى تتمكن من التغلب على هذه المشكلة الخطيرة، ويتم استيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل، إضافة إلى جزء من العاطلين. كما أشار البنك الدولي إلى حاجة المنطقة العربية إلى تدبير 74 مليون فرصة عمل خلال العشرين عاما القادمة.
والأمة العربية أفضل ما تملكه من ثروة هو شبابها؛ فإن استقاموا استقامت وإن اعوجوا اعوجت وضاعت، وفي هذا جاءت الوصية الجامعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأحد ولاته: ''إن الله تعالى استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها... إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية''.
وفي هذا الإطار، جاءت مبادرة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر بإنشاء صندوق عربي لدعم المشروعات الصغيرة، وقد بلغت موارد هذا الصندوق حاليا 1.4 مليار دولار من القيمة المستهدفة وهي مليارا دولار. وهذه الخطوة وإن كانت إيجابية فإنها لا تكفي ولا تلبي المطلوب في ظل عدم التناسب بين موارد الصندوق المولود وواقع العاطلين الملموس. ومن ثم فإنه حتى يؤتي هذا الصندوق ثمرته فإن الأمر يتطلب زيادة رأس ماله بصورة أكثر تناسبا مع عدد العاطلين مع العمل كمنظومة تمويلية متكاملة مع البنوك والمؤسسات المالية والجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني في التمويل لتلك المشروعات وفق آليات محددة.
وتبدو هنا أهمية استخدام أساليب التمويل الإسلامية لتوفير التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة، من خلال برامج التمويل المحلية والخارجية، إضافة إلى إصدار صكوك خيرية، وصكوك استثمارية وطرحها للاكتتاب العام، واستخدام حصيلتها في تمويل وتنمية تلك المشروعات بصيغ المشاركة والمضاربة والمرابحة والبيع الآجل والسلم والاستصناع والتأجير التمويلي والمزارعة والمغارسة والمساقاة، مع التركيز على تطبيق تلك الأساليب في الجانب العملي بصورة حقيقية بعيدا عن الصورية. خاصة وأن أساليب التمويل الإسلامي تملك من الخصائص والسمات ما يحول دون وجود مشكلات التمويل للمشروعات الصغيرة، بما تتضمنه من مزايا لا توجد في غيرها من أنظمة التمويل التقليدي، فهي تتسم يالتنوع والتعدد، فهناك أساليب للتمويل قائمة على التبرعات والبر والإحسان، وأساليب للتمويل قائمة على المشاركات، وأساليب تمويل أخرى قائمة على الائتمان التجاري، كما أنها متعددة المجالات من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات، وكل هذا يتيح فرصا ومجالات أكثر لتمويل المشروعات الصغيرة. كما أن أساليب التمويل الإسلامية تقوم على أساس دراسات الجدوى من الناحية الاقتصادية، وعلى أساس الحلال من الناحية الشرعية، ولا تحول تلك الأساليب بين مؤسسات التمويل وأخذ الضمانات الكافية التي تؤمن أموالها. كما أنها تنقل التمويل من أسلوب الضمان والعائد الثابت إلى أسلوب المخاطرة والمشاركة، والغنم بالغرم، وتغلب النشاط الإنتاجي على النشاط المالي، وترسخ مفهوم الرقابة والمتابعة على التمويل الممنوح، وتراعي ظروف المتعثرين. وهي بحق عقد اجتماعي تضامني يستطيع أن يلبي مطالب وحاجات المعوزين، وكذلك المنبوذون من القطاع المصرفي التقليدي في الوطن العربي.
وحينما تتحول مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة من أساليب التمويل التقليدية إلى أساليب التمويل الإسلامية فإنها تقيم تنظيما جديدا فنيا وإداريا، حيث يتحول اهتمامها من إدارة الإقراض إلى إدارة الاستثمار، ومن التركيز على الضمان إلى التركيز على الجدوى الاقتصادية، ومن اشتقاق الائتمان للحصول على فائدة إلى تحفيز الادخار والاستثمار، ومن دور المرابي إلى دور المستثمر والمستشار الاقتصادي، الذي يلتحم مع المشروع ويقدم له المشورة، بما يكون لها من مراكز أبحاث اقتصادية، ومعرفة بأحوال السوق، وبتوفر كم كاف من المعلومات عن حركة الاستثمار.
ويبقى أخيرا التأكيد على أهمية توفير البيئة التنظيمية المحفزة على اتساع آفاق المشروعات الصغيرة في الدول العربية من خلال تبسيط وتجانس الإجراءات اللازمة لإقامة تلك المشروعات، فضلا عن تحقيق الشراكة بين جهود البلدان العربية على المستوى الحكومي من جهة والمؤسسات المالية والأهلية من جهة أخرى في مجال تعبئة وتوظيف الموارد التمويلية اللازمة للمشروعات الصغيرة في الدول العربية، وتسويق منتجاتها، إضافة إلى تفعيل دور الاتحاد العربي للمشروعات الصغيرة لتنمية تلك المشروعات في الدول العربية من خلال إنشاء بنوك معلومات عنها، وتيسير التكامل والترابط فيما بينها، بوصفها مدخلا للتكامل والتعاون الاقتصادي العربي.