عُزبٌ .. أم دُولٌ؟
مجلس التعاون الخليجي مكون من ست دول أعضاء، الكويت والبحرين من أصغرها مساحة؛ دول جغرافيتها تتركز حول المدينة. الدولتان اتخذتا في الماضي قرارا تاريخيا اتضح لاحقا أنه مُدمِر. استبدلتا نظامي حكمهما الموروث لقرون بنظامٍ غربي برلماني، حاولتا جاهدتين تحويره وتغييره ومزجه ليتلاءم مع تصوراتيهما، أخذتا جزءا، وتركتا جزءا، ألغتا تبادل السلطة والحزبية، فرضتا رئيس مجلس الوزراء وحكومته. وغيره من الحذف أو الإضافة.
(بَرْلـَمْنة) البحرين، كانت الوصفة السحرية للزعزعة والنور الأخضر لمعارضتها المنشقة ذات الميول والمؤثرات الفارسية؛ لمباشرة أهدافها وبرامجها وما حدث أخيرا في البحرين كان نتيجة مباشرة لهذا الاستبدال، إنه أول عصيان من هذا النوع في منطقتنا، أصاب الخليج بالذهول. يطالبون علنا وبملء فيهم بالمتناقضات، بتغيير نظام الحكم، حتى الحاكم أي رأس الدولة، أو تبقى العائلة الحاكمة شكلية؛ تحويل الدولة إلى جمهورية، كل هذا الاستعداء والتحدي والإهانة لمحيطهم البحريني والخليجي! لو كان النظام الموروث، كما عهدناه باقيا، لاعتبر ما حدث خيانة كبرى، يقتص من فاعلها ومؤيدها، لكن مع النظام البديل صار البساط سجالا!
رأيناهم يتحكمون في الشوارع والطرق ووضع الحواجز المتنوعة في وضح النهار، وأمام الجميع، يراهم رجال الأمن كما نراهم؛ يقتلعون أعمدة الكهرباء، يخربون المنشآت العامة. وتُركوا لما يريدون، بل قاموا بضرب رجال الأمن، ودهس أحدهم ذهابا وإيابا، ورُمي رجل أمن من سيارته، وقذف آخر أرضا، كانوا مدربين أحسن وأعنف وأشرس وأحقد تدريب؛ ما جعل رجال الأمن أضعف من مطاولتهم.. أين تدربوا؟ لا شك أن هناك مليشيا متكاملة لهذا الغرض!
أما موضوع المستشفى فهو عملية احتلال مُهينة.. كما لو لم تكن هناك دولة! أمورٌ كثيرة دُبّرت ونُظمت وبُرمجت - كما قال أحد البحرينيين - بيننا وحولنا ونحن لا نعلم.. هل سيعاقب من قتل وجرح رجال الأمن؟ ومئات المخربين الآخرين كل حسب ما اقترف؟ إذا افترضنا أن البحرين تعرف من هم! وإذا لم! لا يستبعد أن يكون ما حدث بروفة؛ لما سيأتي أو قد يأتي! هذا ما اكتسبته البحرين من هذا النوع من الابتكار والتحديث! ما حدث في البحرين درس يجب أن نعيه دولة وشعبا.. التنازلات لا تحل المشكلات - كما يفهم الآخر!
منذ أن اعتمد هذا النظام الديمقراطي صارت الكويت كذلك أسيرته. كنا نعرفها شعبا واحدا، تقسّمت وبفعل برلمانهم إلى أعراق وقبائل ومذاهب وعشائر؛ إيرانيين، عرب، سنة وشيعة، بادية ... إلخ... إلخ. لم نسمع بحال كهذه قبل البرلمان. منذ أن كان؛ توقفت الكويت عن التطور والنمو الذي خبرناه عنها سلفا، وصارت خليجيا في المؤخرة تنمويا. انشغل برلمانيّوهم في لعبة المساءلة، واستجواب الوزراء لينتهي بهم الأمر إلى معركة لا تدري الشخصي منها أو السياسي، ومن منهم يمثل خارج الحدود تباطأت القوانين والمشاريع، شُلّ هذا البلد الصغير وحرم من نموٍ يتناسب مع دخله.
خلال هذه الأحداث برزت عدائية الطائفية، وبدأت تأخذ منحى سياسيا شعوبيا وبلكنة فارسية.. أي أن المذهب ''الطائفة'' صار قومية أو شيئا منها، مستقلا عن محيطه العربي الخليجي. ساعد على ذلك ما عرف عنهم من تقوقع وانعزال جغرافي وسكني. يتحدثون بلغة نحن والآخرون هم، والتزامهم مرجعيتهم التي تعتمد على خُمسهم وموقعها قد يكون في قم أو النجف، وتأثير المظلومية التي يعانون عقدتها منذ ألف عام، على الرغم من المكاسب التي حققوها. ليس كل الشيعة طائفيين، لكن أقلية أساءت للأكثرية. الشيعة في المنطقة الشرقية من القديم ولم يعرف عنهم الشحن الطائفي أو الانتماء إلى قوى خارجية، بل شاركوا في بناء البلد، ولا نزايد على وطنيتهم.
الغريب أن مسرح العمليات في البحرين يتقاسمه هؤلاء المنشقون كطرف والدولة كطرف آخر، وتناسوا أن هناك فريقا ثالثا.. غالبيتهم سُنة، يتصف بالانضباط؛ الذي يبدو أنه فُهم ضعفا. وهذه الفئة كغيرها في الخليج ترفض التـّشورع على الأرصفة أو الميادين، فالمطالب لها مرجعيتها.
نظام الحكم أيا كان، ليس خشبيا، بل ينمو، وتتسع طاقته ليستوعب المستجدات والمتغيرات. نظام الحكم وصياغته ومكوناته؛ هما عصارة لاتفاق المختلفين أو لاختلافاتهم، إنها عملية مستمرة، ومخاض محلي. إن تغيير نظام يزيد عمره على قرنين مجازفة، قد تتطلب قرنين آخرين ليُهْضِم أو لا يُهضم. إذاً.. لماذا هذه الثورات الحالية في العالم العربي؟! لأنها غير مقتنعة بأنظمة حكمها البديلة منذ الأربعينيات، لم يهضموها، عانوا منها.
إن استبدال الأنظمة ما هو إلا وصفة ودعوة للفوضى، وما يحدث وحدث حولنا يؤكد ذلك. الأمثل هو الإصلاح والتطوير من داخل النظام. كيمياء الأنظمة تختلف فيما بينها، تتناقض وتتنافر خلفيتها؛ لأن موروثهم الحضاري مختلف.. جدا مختلف. إنما الوقت، والحنكة السياسية، والحوار، وإعطاء كل ذي حق حقه، كفيل بالوصول إلى الهدف. البرلمانية البريطانية أخذت ألف عام لتتشكل كما هي عليه حاليا، واستمرت ملكية حسب رغبة الشعب، ألف عام من الحوار والبناء وكذلك الدماء.
حان الوقت للمملكة العربية السعودية لأن تُنشئ كرسيا في إحدى الجامعات المحلية ''لنظام الحكم'' لتناوله تاريخا وبحثا وتنظيرا، ودراسة نواقصه ومتطلباته، ماضيه ومستقبله. إن أجيالنا الجديدة حكاما ومواطنين إن لم يجهلوه فإنهم لا يعرفون الكثير عنه.
مجلس التعاون يجب أن يواجه هذه الأولوية ودراستها. إنه ليس من حق دولة في الخليج أن تختط طريقا كهذا دون تنسيق ما يهم الجميع ويتحمل نتائجه الجميع يجب أن يُناقش مع الجميع. القضايا المصيرية يجب ألا يُغَرّد بها خارج السرب.. ومن المؤكد أن نظام الحكم على رأس القائمة. الخليج وبما حباه الله به من موقع وثروة ونسيج اجتماعي متماثل وأهمية استراتيجية عالمية، يجب أن يحافظ على نظامه الداخلي ويطوره، وجبهته الخارجية ويحميها، لا نريد أن نكون أو تكون بعض دولنا عزبا كما قيل أو واجهات .. بل نريدها دولا.