الصين و"حمائية" ترمب

"الحرب التجارية مع الولايات المتحدة بلا فائز"
شي جين بينج، رئيس الصين

لم تتوقف الصين عن وضع سلسلة من المخططات التي تعد إستراتيجية بالنسبة لها، على صعيد حماية صادراتها من مخطط الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، لرفع فوري للرسوم الجمركية على السلع الصينية. هذا الأخير كرر نفس الخطاب السابق، الذي ساد فترة رئاسته الأولى، الذي يدور حول محور واحد فقط في هذا المجال، وهو "حماية الصناعات الأمريكية" بأي طريقة، عبر رسوم جمركية إضافية حتى على السلع الآتية من البلدان التي تعد حليفة للولايات المتحدة.
فحتى هذا الرابط التاريخي لم يثن ترمب عن اتباع سياسة تجارية هجومية على كل الدول دون استثناء. قبل وصوله إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل، شن هدد عدد من البلدان الأوروبية، ولا سيما ألمانيا وفرنسا، بفرض رسوم جمركية فورية إضافية على صادراتها لبلاده.
الجانب الصيني في هذه المواجهة، يبقى الأكثر حضوراً، فبكين تعلم أن الأعوام المقبلة ستكون عصيبة على الصعيد التجاري، ليس فقط من واشنطن، بل أيضاً من بعض العواصم الغربية الأخرى. إلا أن العلاقة في هذا الميدان مع الولايات المتحدة، تؤرقها أكثر. فترمب عين بالفعل فريقاً لقيادة السياسة التجارية معروف بمواقفه المتشددة أصلاً حيال العلاقة مع الصين، كما أنه أسرع لإعلان تعرفة جمركية إضافية حتى قبل استلامه زمام الحكم، وحددها بـ60%، ما يعزز الاعتقاد أن لا شيء سيقف في طريق الرئيس الجديد، الذي يعتقد بأن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، لم تقم بما يكفي من إجراءات ضد الصين، بالرغم من أنها لم تخفف ما وضعه ترمب أصلاً عندما كان رئيساً.
ستشهد الساحة العالمية موجة قوية من الحمائية في السنوات القليلة المقبلة، فالإجراءات الأحادية ستكون حاضرة، ما سيزيد من هشاشة العولمة بشكل عام. واحتمالات نشوب حرب تجارية واسعة باتت مرجحة الآن أكثر من أي وقت مضى. ولا يبدو أن الرسائل التي تبعث بها بكين لواشنطن، عن انفتاحها على "التواصل والحوار"، تلقى أي صدي على الجانب الأمريكي. فإدارة ترمي السابقة، كانت ممتعضة من الصين لأنها لم تف بوعودها في 2020، برفع وتيرة شراء السلع الأمريكية، فضلاً عن مواصلة الدعم الحكومي للتصنيع في البر الصيني، ما يجعل الكفة مائلة لمصلحة بكين بالطبع. مهمة هذه الأخيرة شاقة بالفعل، وإذا نجحت بطريقة ما في منع فرض مزيد من التعريفات الجمركية، فإنها ستحقق انتصاراً تجارياً كبيرة.
المراهنة التي تعتمدها السلطات الصينية حالياً، تتمحور حول انزعاج حلفاء الولايات المتحدة من سياسة ترمب الحمائية المقبلة. لكن هذا لن يدفع الأمور للأفضل بالنسبة لها في النهاية. المشكلة الرئيسية هنا، هي أن الرئيس المقبل تعهد علناً، بفرض تعريفات جمركية إضافية لا تقل عن 10% مقبولة للطرفين، وإلا فإن الحرب التجارية قادمة لا محالة، في ظل تبادل تجاري بين البلدين ارتفع في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة 36.6%، ليصل إلى نحو 470 مليار دولار.
الواضح أن تشدد ترمب لن يتراجع. فهو خاض سباق الرئاسة على شعاره المعهود "أمريكا أولاً"، والحمائية لم تعد خياراً على الساحة الأمريكية، بل أداة مطلوبة لرفع ما يصفه الرئيس الأمريكي الجديد بـ"الظلم" عن بلاده. إنها مرحلة حساسة جداً، ستؤثر في النهاية على الحراك التجاري العالمي بصورة أو بأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي