آليات تفعيل خطط التنمية
دأبت المملكة على إعداد خطط خمسية تنموية ابتداء من 1370هـ (1970)، وقد أنشئ لهذا الجهد وزارة مستقلة وكلفت جميع الأجهزة الحكومية بالتعاون معها. وعلى الرغم من الحاجة إلى مثل هذا الجهد في دولة نامية توجه الحكومة ما لا يقل عن 45 في المائة من إجمالي الدخل القومي، ما يحتم أهمية التخطيط للاقتصاد السعودي، إلا أن المتابع يلاحظ أن أداء الخطط أقل من المأمول، ما يشكل عبئا اقتصاديا على كثير من الجهات الحكومية، وتكلفة إضافية على الاقتصاد الوطني، حيث تلزم جميع الجهات بتعبئة النماذج الخاصة للخطة والإجابة عن جميع استفسارات وزارة التخطيط، أقصد وزارة الاقتصاد والتخطيط. ليحدد نظريا بناءً على ذلك ميزانية كل جهة حكومية، وفي الوقت نفسه فإن كل جهة حكومية ملزمة بمناقشة ميزانيتها مع وزارة المالية والإعداد لذلك بشكل قد يكون مختلفا عما تم تقديمه لوزارة التخطيط، ويتم اعتماد ميزانية الأجهزة الحكومية في الغالب بعيدا عما تم تحديده في خطة التنمية. حيث نجد في نهاية الخطة أن الإنفاق الفعلي يتجاوز المخطط بما لا يقل، في بعض الخطط، عن الضعف وبنسب متفاوتة للقطاعات الاقتصادية. يشكل هذا الازدواج في العمل تكاليف اقتصادية يتحملها الاقتصاد الوطني، على الرغم من دمج الاقتصاد مع التخطيط وبقاء وزارة المالية وحدها لمعالجة هذا الخلل، وهذا لا يكفي ولم يلامس الأسباب الحقيقية للمشكلة. كما عجزت الخطط المتلاحقة عن التنبؤ بكثير من المشكلات التي تواجه الاقتصاد السعودي مثل البطالة والفقر والطاقة الاستيعابية للقطاع التعليمي والصحي ... إلخ... حتى وقت بروزها لتصبح أهداف الأهداف التي تسعى الخطط لمعالجتها.
خطة التنمية تعاني الجمود وعدم المرونة، حيث يبدأ العمل لإعداد الخطة بما لا يقل عن سنتين إلى ثلاث سنوات قبل سنة التنفيذ. ويتم الانتهاء منها قبل سنة تقريبا من أول سنة من سنوات الخطة وذلك للحاجة إلى رفعها للأجهزة الحكومية ومجلس الوزراء والشورى والمجلس الاقتصادي الأعلى ... لتتم الموافقة عليها، وبعد ذلك يبدأ التنفيذ، وخلال فترة التنفيذ التي تستغرق خمس سنوات لا يتم تغيير الخطة أو تعديلها وإن تغير العالم رأسا على عقب! لأن أي تغيير يستلزم المرور بكل الجهات السابقة التي تستغرق مدة لا تقل عن سنة للحصول على موافقات تلك الجهات .. بمعنى آخر، فإن نظام المركزية المتبع في الأجهزة الحكومية يمثل عائقا تنمويا (كما تمت مناقشته في مقالة سابقة)، لذا فإن الوزارة مطالبة بعد الحصول على الموافقة على الخطة بعمل التحديث اللازم سنويا لتتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية على أن يتم نشر التحديث على موقع الوزارة، وتعديل فترة الخطة كما اقترحت في مقالة الأسبوع الماضي.
إن إلزامية الخطة وربط الخطة بالميزانية للجهات ذات العلاقة شرط ضروري لنجاحها، لكن الملاحظ أن كثيرا من الأجهزة الحكومية لا تلتزم بتنفيذ الخطة، كما أن هناك اختلافا بين ما هو مخطط له وبين الميزانية السنوية، حيث أصبحت الميزانية الموجه الحقيقي للاقتصاد ودور الخطة ثانوي في التوجيه. ومن أهم أسباب ذلك ضعف وزارة الاقتصاد والتخطيط مقارنة بوزارة المالية. ولمعالجة هذا الخلل فإن تحويل وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى إدارة أبحاث ودراسات وتلحق بالمجلس الاقتصادي الأعلى ليتم فرض ومتابعة الخطط ودورها في توزيع مخصصات الأجهزة الحكومية من الميزانية من خلال المجلس.
يجب أن تتسم الخطة بالواقعية والدقة والمصداقية والبعد عن المبالغة والمثالية، وهذه أمور ضرورية ليستفيد الاقتصاد الوطني وكسب ثقة القطاعين الخاص والعام. يتطلب ذلك بناء خطة شاملة تأخذ في الاعتبار الإمكانات المتاحة، وذلك بعد دراسة واقع الاقتصاد الحالي بمصداقية ونقد الذات، ولا تغفل توجه الاقتصاد في الاعتماد على القطاع الخاص الذي بدوره يعتمد على خطة التنمية كموجه لأنشطته وقراراته الاستثمارية في حالة أن الخطة تتسم بالمصداقية والواقعية. فالخطة أداة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي، حتى يحصل تفاعل جميع الأطراف لتحقيق أهداف الخطة فإنها يجب أن تبتعد عن المبالغات والمثاليات، وأن تبنى في ضوء ما هو فعلا متاح للاقتصاد من موارد مالية وطبيعية.