التعليم العالي بين مؤتمرين
لم يكن محض مصادفة أن تتناول وزارة التعليم العالي أهم عنصرين فاعلين في عالمنا اليوم وهما فئة الشباب ومتغير التقنية، فالذي يسبر الأحداث على الساحة العربية يجد أننا أمام جملة متغيرات تتطلب فهمها والتعاطي معها بشكل إيجابي واستثمارها الاستثمار الأمثل، أما العنصر الأول فهو شريحة الشباب، والمتأمل يرى أن المجتمعات العربية ـــ ومنها المجتمع السعودي ـــ ذات طبيعة ديموغرافية واضحة، وهي أنها مجتمعات فتية إذ معدل العمر قد يصل إلى 20 سنة، بمعنى أن شريحة الشباب هي الشريحة الأكبر في المجتمع، وهذه نعمة إذا حسن استثمارها ونقمة إذا لم تتعاط معها مؤسسات المجتمع بشكل مخطط ومدروس، وكم هي المجتمعات الشائخة أو الهرمة كما في بعض الدول الأوروبية التي تعاني من نقص الشباب وتتمنى هذه الميزة، ولذلك نرى تشجيعهم على الهجرة إلى تلك الديار، أما العنصر الآخر وهو عنصر التقنية والعالم الرقمي أو الافتراضي وشيوع الإعلام وظهور الإعلام (الـ نحن)، حيث أصبح كل فرد وزارة إعلام مستقلة، فهو ولا شك له كذلك وجهان سلبي وإيجابي.
بعد هذه المقدمة أرى أن من الأهمية الإشادة بمؤتمرين عقدتهما وزارة التعليم العالي لم يكن يفصل بينهما مدة زمنية كبيرة، أولهما المؤتمر الدولي الثاني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد الذي نظمه المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد تحت شعار ''تعلم فريد لجيل جديد''، الذي شارك فيه 109 متحدثين من حول العالم و60 عارضاً و24 ورشة عمل.
أما المؤتمر الآخر فهو المؤتمر العلمي الثاني لطلاب وطالبات التعليم العالي الذي جاء برؤية واضحة للقائمين عليه ''أن يصبح مؤتمر طلاب وطالبات التعليم العالي في الجامعات السعودية الملتقى السنوي الأول للطلاب والطالبات، وأن يكون مؤتمرًا منافسًا للمؤتمرات العالمية المثيلة من حيث جودة الأعمال وكثافتها''، وقد أوضح رئيس اللجنة الإعلامية للمؤتمر الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الحبيب أن عدد المشاركات من الطلاب والطالبات تجاوز 2700 مشاركة من 31 جامعة ومؤسسة تعليم عالٍ، كما بيّن أن الأوراق العلمية بلغت 1765 ورقة، بنسبة تتعدى 60 في المائة، وهي تمثل النسبة الأكبر من المشاركات، ووصلت المشاركات الفنية إلى 589 مشاركة، تلتها الابتكارات وبراءات الاختراع 162 مشاركة، وبلغت الأفلام الوثائقية 160 فيلمًا، ووصل عدد المشاركات في ريادات الأعمال إلى 25 مشاركة. وقد بلغت جوائز المؤتمر مليون ونصف مليون ريال، وهي جوائز مجزية للغاية.
إن المؤتمر العلمي لطلاب وطالبات التعليم العالي أنموذج رائع يعكس الجدية العلمية لدى الطلاب والطالبات والقدرات الإبداعية في المجالات العلمية المختلفة. ولذا جاء هذا ثمرة شهور من الحراك العلمي والأكاديمي في جامعاتنا، هذا الحراك نواته هم الطلاب والطالبات ومادته البحوث والدراسات التي كانت تجري على قدمٍ وساق.
وقد كنت أظن أنه لو لم يأت من هذا المؤتمر سوى تملك الطلاب والطالبات أدوات ومهارات البحث العلمي لكفى بها نتيجة، وإذ بنا نرى أنه قد جمعها المنهج والمحتوى العلمي من خلال مرورها بلجان التحكيم العلمية وفق أعلى المعايير البحثية، ولذا يمكننا القول ــــ بكل ثقة ــــ إن هذه البحوث يمكن نشرها في أي مجلة علمية محكمة.
تحية صادقة لكل المخلصين في هذا البلد الكريم.