فوز ترمب ينهي شراكة أمريكا وبريطانيا المميزة

الحكومة البريطانية تعيش صدمة بعد عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض

سياسات ترمب تجسد كل ما يعارضه حزب العمال البريطاني

الظروف تبدو أسوأ بالنسبة لبريطانيا خاصة أن ترمب ليس على وفاق مع زعيم حزب العمال ستارمر

لطالما كانت المملكة المتحدة تضع علاقتها بالولايات المتحدة في مرتبة أعلى مقارنةً بأي دولة أوروبية أخرى، معتبرة التحالف عبر المحيط الأطلسي ركيزةً أساسية في إستراتيجية بريطانيا الدفاعية والأمنية.
كما تتشابك المصالح الاقتصادية بين لندن ووول ستريت، ويتنقل الأكاديميون والطلاب بين الجامعات البريطانية والأمريكية. حتى أن محرر صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمركيية الرائدة هو بريطاني الجنسية. وعند السفر من لندن إلى نيويورك، يبدو أن التحالف الذي أسسه ونستون تشرشل بين الشعوب الناطقة بالإنجليزية لا يزال قائما.

تعيش الحكومة البريطانية حالة من الصدمة بعد عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مدعوماً بمجلس شيوخ يهيمن عليه الجمهوريون، وأغلبية في التصويت الشعبي وكذلك الهيئة الانتخابية. ورغم أن زعيم حزب العمال كير ستارمر كان سريعاً في الاتصال بترمب لتهنئته، إلا أن الخيار المفضل له كان بلا شك فوز كامالا هاريس.

العلاقة بين حزب العمال والديمقراطيين

لا يرتبط الأمر فقط بكون "حزب العمال" البريطاني و"الحزب الديمقراطي" الأمريكي شقيقين، بل هناك تبادل مستمر للأفكار والكوادر بينهما. فقد استلهمت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز استراتيجيتها الاقتصادية المعروفة باسم "سيكيورونوميكس" من رؤية جو بايدن الاقتصادية.

كما انتقل بعض نشطاء حزب العمال إلى أمريكا لدعم حملة هاريس. أما ترمب، فيجسد كل ما يعارضه حزب العمال، من سياسات ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى النزعة الذكورية، وحتى ما يعتبره الحزب عنصرية. وخلال عضويته في البرلمان، وصف وزير الخارجية ديفيد لامي ترمب بأنه "نازي" و"عضو في جماعة كو كلوكس كلان"، متوعداً بـ"الخروج إلى الشارع للاحتجاج" إذا زار ترمب بريطانيا.

ترمب يربك خصومه

ربما يعزو رئيس عادي مثل هذه الأمور إلى طبيعة الحياة السياسية القاسية، لكن ترمب ليس من النوع الذي يسامح وينسى، فهو يجمع بين حساسية شديدة، وقدرة بارعة على استغلال "الإساءة" لإرباك خصومه. وقد تقدم ترمب بدعوى قضائية ضد نشطاء حزب العمال البريطاني لتدخلهم في الانتخابات الأمريكية (فقد نسقوا جهودهم مع مسؤولي الحزب، وهذا يُعد خطأ قانونياً). أثار فوز ترمب دهشة كثيرين في الأوساط السياسية البريطانية الأوسع نطاقاً.

فقد كتب اللورد ويليام هيغ، الزعيم السابق لحزب المحافظين والمرشح الحالي لرئاسة جامعة أكسفورد، مقالاً في صحيفة "التايمز" بتاريخ 5 نوفمبر، وصف فيه ترمب بأنه "خطر جدي" و"علامة على اقتراب الظلام"، مؤكداً أن "علينا جميعاً أن نكون ديمقراطيين بغض النظر عن انتماءاتنا السابقة".

أصدقاء أقل

تقتصر العلاقات الوثيقة مع ترمب على أطراف على هامش الساحة السياسية، مثل نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح، الذي احتفل بفوز ترمب في منتجع "مار-إيه-لاغو"، بجانب رئيسي الوزراء السابقين بوريس جونسون وليز ترس، وبعض أعضاء البرلمان مثل وزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان.

ومع ذلك، لا يمثل هؤلاء قاعدة دعم تُذكر للحكومة البريطانية. فهل يمكن تخيل أن يلجأ ستارمر إلى فاراج كوسيط مع ترمب (أو حتى تعيينه سفيراً لبريطانيا في واشنطن كما يتمنى فاراج بشدة؟). ومع تولي ترمب الرئاسة في يناير، فقد تجد الحكومة البريطانية نفسها بأصدقاء أقل في واشنطن، مقارنة بما كان لديها منذ الحرب العالمية الثانية.

مستقبل السياسة الخارجية لبريطانيا

يصعب التكهن بما إذا كان ترمب سيفي بوعوده بالتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا أو بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي "الناتو". وترمب، بكونه صانع صفقات أكثر من كونه أيديولوجياً، يتميز بتقلباته.

فإذا سحب دعم أمريكا لأوكرانيا، فسيكون ذلك انتكاسة للهدف الأساسي للسياسة الخارجية البريطانية في الأعوام الأخيرة، الذي يتمثل في مقاومة العدوان في الشرق. وإذا انسحب من "الناتو"، فإنه سيهدد أحد ركائز السياسة الخارجية البريطانية منذ تأسيس الحلف في 1949.

حتى لو تجنبت بريطانيا هذه النتائج الكارثية، فإن "الشراكة المميزة" بين لندن وواشنطن ستتضاءل. ولن يكون هناك التعاطف الذي ساد خلال فترة بايدن (أو حتى في عهد هاريس لو فازت). بل قد تتعامل إدارة ترمب مع المسؤولين البريطانيين كأنهم امتداد للحزب الديمقراطي، كما أشار هيغ.

وسيضغط ترمب على بريطانيا، كغيرها من الدول الأوروبية، لزيادة إنفاقها على قطاع الدفاع وبشكل عاجل. كما أنه سيركز على إبرام الصفقات بدلاً من الالتزام بالبروتوكولات، وقد يتجه اهتمامه بعيداً عن أوروبا إلى مناطق أخرى حول العالم.

رسوم ترمب الجمركية

كما أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب يُصعب التكهن بما إذا كان سيفرض رسوماً جمركية على بريطانيا وبقية أوروبا، وإن فرضها، فكيف سيكون حجمها. ومع ذلك، سواء أكانت هناك رسوم أم لا، فمن المتوقع أن ينتهج ترمب سياسة اقتصادية توسعية تشمل خفض الضرائب على الأفراد والشركات، والحد من البيروقراطية، وإدارة الاقتصاد بأقصى طاقته.

وهذه السياسة ستجذب بالتأكيد عديد من المواهب ورؤوس الأموال من بريطانيا، خاصة مع توجه حزب العمال نحو رفع الضرائب وزيادة الضغط على الأثرياء. فلماذا يبقى الأفراد في لندن ذات النزعة الاشتراكية تحت حكم ستارمر بينما قد يجدون في نيويورك في عهد ترمب ترحيباً حاراً؟.

بريطانيا في عزلة غير مسبوقة

لطالما كان الحظ إلى جانب بريطانيا في توقيت علاقاتها مع الولايات المتحدة. فقد أقام المحافظون، الذين تبنوا سياسات مارغريت تاتشر، علاقات قوية مع الجمهوريين المؤيدين لسياسات رونالد ريغان في الثمانينيات. وفي التسعينيات، نسجت حركة "الطريق الثالث" بقيادة توني بلير علاقات وثيقة مماثلة مع أنصار بيل كلينتون. ولوقت ما، بدا أن هذا النمط سيتكرر عندما تلا التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انتخاب ترمب في 2016.

سار ترمب آنذاك إلى جانب "ترمب بريطانيا" بوريس جونسون، ووعد بإبرام "صفقة تجارية رائعة" لتعزيز ثورة "بريكست" وإرباك الاتحاد الأوروبي. لكن هذه الوعود لم تتحقق، فقد واجه جونسون صعوبات إدارية، وعرقلت جائحة كورونا الجهود، ثم خسر ترمب انتخابات 2020.

أما الآن، تبدو الظروف أسوأ بالنسبة لبريطانيا، خاصة أن ترمب ليس على وفاق مع ستارمر، المحامي السابق في حقوق الإنسان والمدعي العام الحالي. كما أن حزب العمال ليس مهتماً بإبرام صفقة تجارية عبر الأطلسي على غرار "بريكست".

وباتت بريطانيا الآن أكثر عزلة مما كانت عليه منذ العزلة المجيدة في العصر الفيكتوري؛ حيث تراجعت مكانتها في أوروبا بخروجها من الاتحاد الأوروبي، ولم يعد هناك دفء في العلاقات مع أمريكا التي يعلو فيها شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً".

خلاصة

المقال يعرض حالة القلق التي تعيشها بريطانيا إثر عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ما يضعف علاقتها التقليدية الوثيقة مع الولايات المتحدة. لطالما اعتمدت بريطانيا على التحالف عبر الأطلسي كركيزة أساسية في سياستها الدفاعية والأمنية، إلا أن التوتر بين ترامب وحزب العمال البريطاني، بقيادة كير ستارمر، يضعف هذا التحالف.

يُبرز المقال الاختلاف الأيديولوجي العميق بين ترمب وحزب العمال، الذي يرتبط تقليدياً بعلاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، إذ استوحى عديد من قياداته سياساتهم من إدارة بايدن. ورغم من محاولات حزب العمال لبناء جسور مع إدارة ترمب، فإن هذه الجهود لا تبدو كافية لتعزيز التعاون.

علاوة على ذلك، فإن نهج ترامب الاقتصادي والسياسي المائل نحو الصفقات الفردية وعدم الالتزام بالتحالفات التقليدية، مثل حلف الناتو، يثير مخاوف بريطانيا من احتمال تراجع الدعم الأمريكي في القضايا الأمنية المهمة، مثل أوكرانيا.

كما قد تؤدي سياسات ترمب الاقتصادية إلى جذب الاستثمارات البريطانية وصنع تنافس قوي مع لندن. في النهاية، يشير المقال إلى أن بريطانيا، التي تجد نفسها في عزلة متزايدة عن أوروبا بعد "بريكست"، قد تواجه الآن أيضاً تحديات جديدة في علاقتها مع الولايات المتحدة، ما يعمق شعورها بالعزلة في الساحة العالمية.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي