بيزنس على طريقتنا..!!
انتشر في السنوات الأخيرة وعلى نطاق واسع نمط استثماري (هكذا يظنون) بين السعوديين وربما الخليجيين أيضا، حيث يترك الكفيل الحرية لمكفوله في إدارة وتشغيل نشاط ما وتعود له معظم الأرباح بمقابل أن يسدد للكفيل مبلغا مقطوعا شهريا أو سنويا. بالطبع ستجد عند الكفيل المبررات الكافية لإتباعه هذا النمط في العمل، قد يكون مشغولا أو مهموما أو كسولا أو قليل الخبرة والمعرفة، وستجد عند المكفول مبررات تجعله ينظر للفرصة باعتبارها فرصة العمر، حيث يتخلص من تحكم وسيطرة الكفيل ويحقق أرباحا طائلة تتشابه وأرباح أصحاب رأس المال. العجيب أن ينتشر هذا النمط في واحد من أهم القطاعات النامية، وهو قطاع المقاولات، الذي يتسم بخصائص معينة من حيث معدلات النمو والربحية (قيمة المشروعات الحالية نحو 700 مليار ريال)، وتشغيل الأيدي العاملة تضعه في مقدمة القطاعات ذات الجدوى الاستثمارية المرتفعة. إنها واحدة من الصور البارزة للثقافة السلبية للعمل التي يعتنقها المواطن السعودي والخليجي بصفة عامة، وبسبب هذه الثقافة العقيمة يخسر المواطن الكثير والكثير ويخسر المجتمع بأكمله. ربما يشعر المواطن السعودي الذي يتبنى هذا الاتجاه بالراحة وهي ''المراد من رب العباد''، حيث يحصل على مردود مالي وهو جالس أمام الفضائيات أو يستمتع بتدخين الشيشة وقرض المكسرات، ويريح باله من ''وجع الراس'' ومشاكل العمل والعمال. وربما يكون ''الكفيل المتستر'' يمتلك مشروعات متعددة ومؤسسات في كل مكان وسجلات تجارية مفتوحة (كعادتنا دائما)، ولا يملك الوقت فيمنح مكفوله ما لم يحلم به.. ويظل يتابع مكفوله عن بعد فإذا شعر أن مكفوله يتقدم وتتعاظم أرباحه استغل سلطاته التي يمنحها له القانون ومارس ضغوطا على مكفوله ليرفع المبلغ المقطوع (انعكست الآية وبعد أن كان المكفول يحصل على مقابل العمل من كفيله ويساومه أحيانا للحصول على علاوة أو زيادة، أصبح المكفول كفيلا يمنح ويمنع وأصبح الكفيل مكفولا يطلب ويستجدي). الشاهد أن المواطن يتكبد خسائر فادحة وبمحض إرادته، قطعا هو يخسر العائد الذي يمكن أن يجنيه إذا أدار عمله بنفسه، خاصة إذا كان مجال العمل من المجالات ذات الربحية المرتفعة، هو يخسر خبرة العمل التي يكتسبها بمرور الزمن سواء الخبرة الفنية المتعلقة بممارسة العمل أو الخبرة الإدارية المتعلقة بإدارة النشاط في ظروف مختلفة. الأكثر من هذا أنه في الغالب سيشارك في تحمل التكاليف المترتبة على تجاوزات المكفول أو خرقه لقواعد وقوانين العمل أو الإقامة أو التعاملات المادية... إلخ. والمجتمع أيضا يخسر وأهم ما يخسره المجتمع مواطن يكبر ويتطور ويمتلك الخبرات اللازمة لنفع المجتمع، والمجتمع يخسر أموالاً طائلة تخرج منه لتصب في اقتصاديات مجتمعات أخرى، والمجتمع يخسر مصدرا متاحا لتنمية فرص عمل للشباب السعودي، فالأجنبي لن يستعين بالسعودي؛ تجنبا لمشكلاته المزعجة (هو صدق خلص من الكفيل)، ليس هذا فقط، بل إن المجتمع في هذه الحالة وكأنه يضع مقدراته في بطن غير أبنائه ويخضعه لهم ويربطه بهم؛ فضلا عن زيادة حالات الغش التجاري؛ كون المتستر عليه يسعى إلى تحقيق أقصى ربح في أقصر مدة، ولا يهمه إن كان ذلك على حساب جودة المنتج ومصلحة المستهلك لافتقاره إلى الحس الوطني. إضافة إلى أن التستر وسيلة غير نظامية للأجانب للتملص من دفع رسوم تراخيص الاستثمار والاستفادة دون وجه حق من الإعانات والإعفاءات الحكومية. في هذا المقام لا أتجنى على المكفول أو الأجنبي، بل على العكس أمتدح طموحه وجرأته وأقدّر عرقه، لكن في المقابل أعجب لابن وطني الذي يترك فرصا تلو الأخرى ليخدم نفسه ويخدم وطنه. هي صورة كما ذكرت لثقافة سلبية، وهناك صور أخرى كثيرة لو تأملناها جيدا سنكتشف أننا نهدر مواردنا وطاقاتنا المادية والبشرية.. إنها معركة ثقافة ولا شيء غير ذلك أما ننتصر فيها ونشكل في مجتمعنا ثقافة جديدة مدعمة لقيم العمل والإنجاز وإما ''لا قدر الله'' ننهزم ونرتضي السكون والجلوس في الظل.