.. ويستمر تغلب أداء الصناديق الاستثمارية
من أكثر المسائل التي أدخل فيها في مناقشات متكررة (وحادة في بعض الأحيان) هو ما إذا كان من الأفضل الاستثمار في السوق مباشرة أو عبر صناديق الاستثمار. وقد كان رأيي دوماً أن الاستثمار المباشر هو الخيار الأفضل لأي شخص يملك ميزة نسبية في المجال الذي يستثمر فيه (سواء كانت على شكل قدرة على التحليل المالي أو الفني، أو قدرة أكبر على جمع العلومات والأخبار وتحليلها، مع وقت أكثر لمتابعة السوق وحاله وأخباره)، بينما الشخص الذي لا يملك هذه المقومات أو القدر الكافي منها يكون وضعه أفضل بكثير إذا ما استثمر عبر أحد صناديق الاستثمار.
ومحاولة مني لإعطاء هذه النصيحة الصبغة العلمية والإحصائية بعيداً عن الأهواء والآراء الشخصية، فقد قمت بتتبع إحصائيات أداء كافة الصناديق الاستثمارية منذ بداية 2002م إلى نهاية الربع الأول من 2011م (أي منذ ما يزيد على تسع سنوات). هذه الإحصائيات أظهرت أن متوسط أداء كافة صناديق الأسهم السعودية منذ بداية 2002م كانت أفضل من أداء مؤشر السوق ككل. فخلال تلك الفترة تحول استثمار 100 ريال في بداية 2002م إلى 267 ريالا فيما لو تم استثماره في السوق ككل (أي في المؤشر)، بينما لو تم توزيع المبلغ بالتساوي بين كافة صناديق الأسهم السعودية لكان سينمو إلى 353 ريالا خلال الفترة نفسها. هذا يعني أن متوسط أداء كافة صناديق الأسهم السعودية كان أفضل من مؤشر السوق ككل بنحو 3.4 في المائة في السنة (حيث كان متوسط الأداء السنوي للسوق خلال الفترة 11.2 في المائة سنوياً مقارنة بمتوسط 14.6 في المائة لصناديق الاستثمار).
ومن هذا المنطلق ينبغي التنويه للنقاط التالية:
• إن تغلب صناديق الأسهم السعودية على مؤشر السوق ككل كان بعد احتساب كافة الرسوم الإدارية لهذه الصناديق.
• إن أداء صناديق الأسهم السعودية المشار إليه هو متوسط أداء كافة صناديق الأسهم السعودية التي كانت موجودة منذ عام 2002م، وقد تم أخذ المتوسط لكي لا يكون في الإحصائية انتقائية لأداء الصناديق الأفضل على حساب الصناديق الأسوأ، وذلك لإثبات أن أداء الصناديق كان أفضل كمجموعة. أما إذا أخذنا أفضل الصناديق أداء فإنه خلال المدة نفسها قد تمكن من تنمية الـ 100 ريال المستثمرة في بداية الفترة إلى 447 ريالا خلال الفترة ذاتها (أي أن متوسط أدائه السنوي كان 17.6 في المائة أو أكثر بنسبة 6.4 في المائة سنوياً من مؤشر السوق ككل).
• إذا عرفنا أن مؤشر السوق هو محصلة أو متوسط أداء كافة المتعاملين فيه خلال الفترة، وإذا عرفنا كذلك من الإحصائيات الواردة بعاليه أن الصناديق الاستثمارية كمجموعة قد تغلبت على أداء المؤشر، فإن ذلك سيستلزم بطبيعة الحال أن تكون هناك فئة أخرى من المستثمرين كان أداؤها أسوأ من المؤشر (وذلك لكي تكون محصلة أداء الصناديق مع هذه الفئة هي أداء المؤشر نفسه). للأسف هذه الفئة في كثير من الأحيان هم المستثمرون الأفراد (خصوصاً أولئك الذين لا يتمتعون بأي ميزة نسبية في السوق).
من هذا السرد الوارد بعاليه تظهر لنا النتائج التالية:
أولاً: كما هو الحال مع أي مجال تجاري، فإن الاستثمار بشكل مباشر مفضل لأولئك الذين يتمتعون بميزة نسبية في الفئة الاستثمارية أو السوق الذي يستثمرون فيه. ولكن يجب أن يكون المرء صادقاً مع نفسه عند تقديره ما إذا كان يتمتع بميزة نسبية وأن لا يقع في فخ "الميزة الوهمية" التي رصدها عدد من علماء النفس والاجتماع، حيث وجدوا أن ما يزيد على 80 في المائة من الناس يقيميّون مهارة قيادتهم أنها "فوق المتوسط" مما يعد أمراً مستحيلاً، والوهم نفسه يتكرر في تقييم الناس لمظهرهم أو ذكائهم أو للأسف الشديد في قدرتهم الاستثمارية (الأمر الذي يكلفهم الكثير). وقد تكون إحدى الوسائل لمجابهة هذا الوهم هي إما الطلب من شخص آخر بتقييم قدرتك الاستثمارية، أو حتى باستثمار جزء من أموالك في صندوق استثماري والنظر فيما إذا كان بإمكانك التغلب على أدائه بعد فترة (ليصبح نوعا من المؤشر لتقيس أداءك به).
ثانياً: إن الشخص الذي لا يتمتع بقدرٍ كاف من هذه الميزات (بعد تقييم موضوعي لقدراته) يكون أفضل بوضع مدخراته في صندوق استثماري، مع الحرص على التنويع بين صناديق تستثمر في فئات استثمارية وأسواق متعددة، لكي لا تتعرض مدخراته لتذبذب شديد من جراء الحركة في سوق واحد.