التنويع الاقتصادي وآلية توزيع العائدات النفطية بين القطاعين الخاص والحكومي
ركزت خطط التنمية المتعاقبة من أول خطة، إضافة إلى السياسات الاقتصادية للمملكة، على تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل للحكومة وموجه للاقتصاد المحلي. وقد فشلت جميع المحاولات للتقليل من اعتماد الاقتصاد على النفط وزيادة مساهمة القطاعات الأخرى. حيث ما زال القطاع الحكومي مسنودا بالقطاع النفطي هو المحرك الأساسي للاقتصاد السعودي. ونتيجة سياسات التنويع الاقتصادي دون تغيير تركيبة الاقتصاد ستؤول إلى الفشل. فالقطاع النفطي يشكل ما لا يقل عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي وقد بلغ في السنوات الأخير مع تزايد الإيرادات النفطية إلى ما يعادل 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بمعنى آخر فإن القطاع النفطي يشكل تقريبا نصف الاقتصاد. وعائداته بالكامل مملوكة للحكومة لتعيد ضخها في الاقتصاد من خلال الإنفاق الحكومي، إضافة إلى العائدات غير النفطية مثل الرسوم والجمارك وغيرها، مما يرفع نسبة سيطرة الحكومة على الاقتصاد المحلي.
التركيبة الحالية للاقتصاد السعودي تشير إلى أن الاقتصاد السعودي يدار من خلال نموذجين اقتصاديين. فالنموذج الأول اقتصاد السوق والذي يدير تقريبا 55 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، بينما الجزء الآخر يدار من خلال التخطيط الموجه وهو الجزء الذي تملكه الحكومة وبناءً على سياسات الحكومة يتم ضخها في الاقتصاد المحلي. هذا الوضع يجعل من الصعوبة تحقيق هدف التنويع الاقتصادي للتركيبة الحالية للاقتصاد. حيث يعتمد النموذج الأول على حرية السوق وتعظيم الأرباح لتحقيق التوازن في الأسواق سواء أسواق السلع أو النقود، وفي هذه الحالة تعمل اليد الخفية، كما سماها آدم سميث، للوصول إلى التوازن الاقتصادي الذي يحقق توظيف الموارد الاقتصادية والنمو الاقتصادي في الأجل الطويل . أما القطاع الحكومي، فإنه يعتمد على التخطيط المركزي وكفاءة الجهاز الحكومي لتحقيق التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية من خلال الإنفاق الحكومي. وأثبتت الدراسات الاقتصادية التي درست الآثار الاقتصادية لكلا النموذجين، أن نموذج الاقتصاد الحر وتركيز الحكومة على الأنظمة والتشريعات التي تضمن المنافسة العادلة ومنع الاحتكارات في الاقتصادية هو الأفضل لتعظيم الرفاه الاقتصادي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وفي حالة الدول النامية كما هو في المملكة، فان الحكومة مضطرة للتدخل في الاقتصاد في حالة فشل الأسواق، لكن يجب أن تحذر الحكومة من السيطرة على الاقتصاد وشل آلية السوق من العمل من خلال الدور الأكبر من اللازم للحكومة وتبعية القطاع الخاص للقطاع الحكومي.
وحتى يتحقق هدف التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط وتوزيع العائدات النفطية بشكل أكثر عدالة، فإنه يجب خصخصة جزء من شركة أرامكو وبيعها بسعر مدعوم للمواطنين. إن بيع جزء من شركة أرامكو للمواطنين يحقق في المقام الأول تقليل نسبة سيطرة القطاع الحكومي على الاقتصاد ويزيد نسبة القطاع الخاص من خلال تملك المواطنين وإعادة ضخ العوائد النفطية المتحققة لهم في قطاعات الاقتصاد الأخرى, مما يعزز مبدأ التنويع الاقتصادي من خلال آليات السوق. فالعائدات النفطية التي يتم ضخ جزء منها للمواطنين كعائدات على استثماراتهم في القطاع النفطي يتم إعادة تدويرها في الاقتصاد في القطاعات الاقتصادية. كما أن تملك جزء من العائدات النفطية للمواطنين يساهم في تحسن الدخل للمواطنين في حالة الطفرات النفطية لتنعكس الطفرات الاقتصادية بسبب العائدات النفطية على المواطنين. وآلية السوق في توجيه الاستثمارات في ظل توفر المعلومات الدقيقة والآنية والشفافية ووجود الأنظمة والقوانين وتطبيقها مما يحفظ للمستثمرين والمستهلكين حقوقهم تعتبر هي الأمثل لتحقيق التنمية الاقتصادية ومعدلات نمو مرتفعة تنعكس إيجابا على نمو الدخل الفردي وعدالة التوزيع. كما أن توجيه جزء من العائدات النفطية للقطاع الخاص وتقليل نسبة تملك القطاع الحكومي، سيساهم في تقليل هدر المال العام بسبب ضعف كفاءة القطاع ا لحكومي مقارنة بالقطاع الخاص. حيث تشير كثير من الدراسات التطبيقية التي قارنت بين أداء كل من القطاع الخاص والحكومي على مستوى العالم باستخدام عينة من دول متقدمة اقتصاديا ودول نامية إلى ضعف كفاءة أداء القطاع الحكومي ووجود هدر في المال العام.
وفي حالة عدم تنازل الحكومة عن جزء من دخل النفط من خلال الخصخصة، فإنه من غير الممكن تحقيق التنويع الاقتصادي الذي تنادي به خطط التنمية. وسيستمر الاقتصاد على الوضع الراهن باعتماد كلي على القطاع الحكومي وآلية إدارته للموارد الاقتصادية التي يتحصل عليها من العائدات النفطية وغير النفطية, مما يشكل ضعفا في كفاءة الاقتصاد وهدرا للموارد الاقتصادية سيؤثر على نمو الاقتصاد في الأجل الطويل وعلى عدالة توزيع الدخل في داخل الاقتصاد.