المبادرون.. ضرورة استراتيجية وليس فرصا وظيفية (2)

كنا قد طرحنا في مقال سابق بعض التحديات التي تواجه المبادرين، وامتداد ذلك إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومنذ ذلك الطرح طرأ الكثير من المتغيرات على مستويات متعددة، كان أهمها وأكثرها تأثيرا على المستوى الاستراتيجي، تلك الأوامر الملكية التي بلا شك تصبّ في مسار موازٍ لتطوير الفكر الاستراتيجي حول المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولعل أهم ما تبع ذلك هو ضرورة وجود تحرك سريع وعلى مستويات عليا لوضع استراتيجية خلال فترة قصيرة لتطبيق ذلك التوجه، فالفوائد من دعم تلك المنشآت يتعدى إيجاد فرص وظيفية للشباب من الجنسين، بل يصل إلى أبعاد كثيرة، منها على سبيل المثال دعم التنمية المناطقية المتوازنة بدعم مبادري تلك المناطق وضمان عدم نزوحهم إلى المناطق الأكثر نموا، كذلك فإن إنشاء تلك المنشآت سيدعم اقتصاد السوق الحر والمنافسة الكاملة، ومن ذلك إيجاد بدائل إنتاجية قد تكون أكثر ابتكارا وأقل أسعارا للشرائح الاجتماعية المتوسطة، كذلك فإن دعم تلك المنشآت سيسهم في استمرار بعض الصناعات التاريخية ذات الارتباط المناطقي، والفوائد تطول لتصل إلى استثمار أكبر وأفضل للفوائض المالية أو المدخرات المالية بطريقة أكثر أمانا وقيمة مضافة بدلا من دخولها إلى معترك المضاربات المالية الخاسرة كسوق الأسهم مثالا.
وعودا على ما بدأنا، فإن التحديات المتعددة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تستلزم تحركا استراتيجيا بحيث لا يغفل النقاط التالية:
- إنشاء أو إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بقرار ملكي، مع وجود دعم قوي حكومي وتعيين شخصية من خارج الوسط الحكومي الحالي لقيادة تلك المبادرة النوعية، لتتبنى تلك الاستراتيجية وضع آليات تطبيق وتفعيل، قد يكون منها إنشاء هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأن تكون المرجعية لجميع الجهود المبعثرة في هذا المجال.
- وضع تشريعات حقيقية تدعم جميع الجهود القائمة للوصول إلى أهداف تلك الاستراتيجية، ومن ذلك سهولة إنشاء واستمرار المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومن ذلك على سبيل المثال إنشاء مراكز خدمة موحدة للمبادرين للحصول على الخدمات الحكومية بشكل سهل وميسر وسريع، ولا أبالغ إذا طالبت بوجود حوافز معينة واستثناءات للمغامرين الذين يرغبون في خوض غمار التجارة.
- تأسيس عمل مؤسسي في القطاعات التعليمية لإضافة ثقافة المبادرة والعمل إلى المناهج التعليمية على جميع المستويات، سواء كانت إلزامية أو أنشطه لا صفية، وامتداد ذلك إلى خطة ثقافة عامة على جميع المستويات، فالهاجس والخوف من الفشل بناءً على تاريخنا غير المشجع في هذا المجال، يجعل حتى الأسر لا تشجع أبناءها على خوض التجارب التجارية بسبب خوفهم من الفشل وخوفهم من عواقب الفشل، وحث الشباب على الخروج من هاجس الأمن الوظيفي الحكومي والخاص إلى مساحات إلى أكثر فائدة ماليا واجتماعيا.
- إلزام والتزام حقيقي من مؤسسات التمويل، سواء كانت من البنوك التجارية أو من صناديق الدول أو من الصناديق الأهلية أو المشتركة التي تمثلها بعض منشآت المبادرة المختلفة بوضع آليات تمويل مشتركه ذات شروط محددة لدعم المبادرين في القطاعات الاستثمارية المختلفة، بعكس ما نراه اليوم من طرق تمويلية تعتمد على معطيات معينة ومصالح معينة وضغوط معينة. ويمتد ذلك إلى غياب القطاع الخاص الصناعي أو التجاري في المساهمة في دعم تلك التوجهات الاستراتيجية.
- إطلاق مبادرة مستقلة للاعتماد التمويلي تساعد المبادرين على استباق خطوة التمويل بوجود مصادقة أو توصية أو تزكية أو تصديق ائتماني معين على موقع مالي أو ملاءة مالية يساعد المقرضين على تسهيل إجراءات التمويل سواء كان التمويل تجاريا أو على شكل قروض حسنة أو أي نوع من أنواع الدعم المالي أو التقني أو الإداري، ولدينا اليوم منشأة أو منشآت تمتلك جميع المقومات للعب هذا الدور المحوري.
- التركيز على قطاعات معينة في الاقتصاد أو صناعات معينة تحمل القيمة المضافة من ناحية العائد أو الربحية، وكذلك المخاطرة الأقل على رأس المال على المدى القصير، ومثال ذلك تجارة التجزئة، وحين نقول التركيز فإن ذلك يشمل جميع أصحاب المصالح في دعم المبادرين، بحيث نوجد آليات تحفيز للمبادرين لكسر احتكار العمالة الأجنبية في قطاع التجزئة - المثال - وإعطاء المبادرين في هذا المجال ميزة تفضيلية لسنوات محدودة، تساعد المبادرين على الوقوف بقوة أكبر أمام المميزات التنافسية التي تحملها العمالة الوافدة مثل قلة التكاليف والتكتلات.
هذه قائمة مختصرة لأفكار تساعد على الاستفادة القصوى من قطاع حيوي وعمود فقري لأي اقتصاد متقدم، ناهيك عن فوائده الاستراتيجية والأمنية والاجتماعية على المدى الطويل؛ ولذلك فإن الدخول المركز على مستوى القطاعات يساعد على الدخول في باقي القطاعات التي تئن تحت وطأة الاحتكار الوافد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي