الشباب الكووووول.. والعمل!
فتح الشيخ صالح كامل دون أن يقصد أبواب جهنم عندما أشار في إحدى الندوات إلى كسل وتقاعس الشباب السعودي في البحث عن فرص العمل، وأشار إلى أن الشباب يبحثون دائماً عن العمل المكتبي المريح، وأشار الشيخ إلى الدراسة التي نفذتها غرفة جدة عن سوق الخضار، أوضحت الدراسة أن الجاليات البنغالية والباكستانية تسيطر بشكل كبير على هذه السوق، وأن دخل بائع الخضار البنغالي أو الباكستاني يراوح بين 500 ريال وألف ريال في اليوم الواحد. لم يسلم الشيخ ولم يسلم معه رجال الأعمال من هجوم الشباب الرافض اتهامه بالتكاسل والتقاعس عن العمل، التقط الشباب الكرة وصوبوها مرة أخرى وبشدة نحو ملعب رجال الأعمال ووصفوهم بالبخل الشديد وتقاعسهم عن دفع الرواتب الملائمة للشباب، فراتب ثلاثة آلاف ريال ـــ من وجهة نظرهم ـــ لا يفي على الإطلاق بمتطلبات الحياة. حدث صدام بين ثقافة ما قبل عصر البترول وثقافة عصر البترول ـــ نرجو من الله ألا نضطر يوماً إلى الحديث عن ثقافة ما بعد عصر البترول ـــ فثقافة الشيخ تشكلت في زمن الكفاح بينما تشكلت ثقافة الشباب في عصر الرفاهية، والصدام بين الثقافتين طبيعي ومتوقع، ويحدث كل يوم في كل بيت سعودي. لكن الذي استوقفني هنا أمران، الأول: فكرة الراتب الصغير وهي الفكرة المسيطرة على عقول شبابنا وتوجهاتهم في العمل، معظم الشباب عندنا يفضل الجلوس في الاستراحة عن التحرك نحو عمل يحصل فيه على راتب ثلاثة آلاف ريال. إذا كنا نؤمن بأن «قيمة المرء ما يحسنه» فمن الطبيعي والمنطقي أن يحصل الإنسان على راتب محدود في بداية حياته المهنية حتى يكتسب الخبرة الملائمة التي تمكنه من تقديم أداء أفضل يحصل في مقابله على راتب أفضل، وعلى سبيل المثال كبار المديرين في العالم بدأوا حياتهم برواتب ضئيلة للغاية وبمرور السنوات اكتسبوا الخبرات والمعرفة وتطورت مهاراتهم في العمل وحققوا إنجازات ملموسة ومن ثم ارتفعت أسعارهم في سوق العمل ليحصلوا بعد ذلك على رواتب خيالية بالنسبة لنا وليس بالنسبة لهم لأنهم يدركون ماذا يقدمون وماذا يأخذون. وهنا ليسمح لي الشباب بأن أكون أكثر صراحة ووضوحا معهم ومن دون أي مجاملة، وأقول أكثر مما قاله الشيخ صالح، إن هناك شبابا حاصلين على مؤهلات عليا يتقدمون لوظائف بمجرد تخرجهم, وهم مع الأسف الشديد لا يجيدون الكتابة، والأخطاء التي يقعون فيها لا يرتكبها تلميذ في المرحلة الابتدائية، هنا سنعيب أنظمتنا التعليمية، لكن ليس هذامقصدنا الآن، السؤال لكل شاب من الشباب الكول ماذا تملك أن تقدم للشركة أو المؤسسة التي تعمل بها فور تخرجك لتحصل على راتب يعادل راتب وزراء في دول أخرى ـــ طبعاً بدون البدلات ـــ في الغالب ستكون عبئاً على الشركة أو المؤسسة فترة طويلة من الزمن يتحملون فيها أخطاءك ونقص خبرتك، سيعلمونك ويعطونك مالاً في الوقت ذاته.. سيعطونك الفرصة لتكبر ولن تتردد في تركهم بمجرد الشعور بأنك تمكنت من مهنتك وستمارس معهم اللعبة التي يجيدها الشباب السعودي الآن من ذوي الخبرات المتوسطة والمرتفعة، وهم على رأس العمل يذهبون لإجراء مقابلات وظيفية ويحصلون على عروض عمل أفضل ويعودون ليساوموا ويضغطوا للحصول على مقابل أعلى .. معذرة يا كول يا عزيزي .. الموضوع لا يتعلق بضآلة الراتب، لكن يتعلق بأوجه إنفاق هذا الراتب وأنت تعرف جيداً ماذا أقصد. الأمر الثاني الذي لفت انتباهي في قصة الصدام بين الشيخ والشباب السعودي هي مهنة بائع الخضار ــ ليس الخضار على وجه التحديد ــ لكن مهنة البائع أو مندوب المبيعات بصفة عامة، لنتأمل جميعاً عدد مندوبي المبيعات الأجانب في القطاعات الصناعية والخدمية كافة، يتضح أنهم يشكلون أغلبية مطلقة ويحقق الأكفاء منهم دخلا شهرياً يزيد على خمسة آلاف وستة آلاف ويمكن أن يصل إلى عشرة آلاف في بعض الشركات، في الغالب مهنة مندوب المبيعات لا تروق للشباب السعودي لأنهم يرونها تريق ماء الوجه وتتطلب عملا ميدانيا مضنيا وتحمل ضغوطا لا طاقة لهم بها .. ثقافتهم المحدودة لم تمكنهم ولن تمكنهم من إدراك أن أغنى موظف في العالم هو مندوب مبيعات، وأن مندوب المبيعات لا يظل طوال عمره مندوب مبيعات، فالمسار المهني يمكنه بعد عدة سنوات من شغل وظيفة مشرف أو مدير مبيعات .. هنا أشعر بأنني أحتاج إلى أن أتوقف حتى لا أخسر صداقة الشباب الكول .. وأنا على يقين أنهم يعرفون أن لغة العتاب لا تأتي إلا من محب وأن لحن البوح الصريح الموجه لهم دليل على (غلاتهم) في قلبي.