إذا كنت تدير أموالك بنفسك فكيف تقيس أداءك؟

في الكثير من الأحيان التي أتناقش فيها مع مجتمع المستثمرين يدور نقاشنا عن الطريقة الأمثل للاستثمار، سواء كان بالاستثمار مباشرة أو عبر صناديق الاستثمار. وقد كان رأيي دوماً أن الاستثمار المباشر قد يكون خياراً أنسب لمن يمتلك ميزة نسبية في الاستثمار لطالما كانت ميزة فعلية على شكل قدرة أفضل على التحليل، أو كوادر أفضل، أو معلومات أفضل أو وقت أكثر، ولطالما كان الاستثمار المباشر في نطاق الفئة الاستثمارية والسوق الذي يملك فيه الشخص ميزة نسبية (فمن كان يملك ميزة نسبية في سوق العقار في المملكة لا يملك بالضرورة ميزة نسبية في سوق الأسهم السعودية، ولا في سوق عقار آخر). أما إذا كان الشخص لا يمتلك أي ميزة نسبية مما ذكر فإن الاستثمار عبر القنوات الاستثمارية المؤسسية (كصناديق الاستثمار) قد يعتبر خياراً أنسب.
ولمحاولة قياس مقدار الميزة النسبية للمستثمر في إدارة أمواله بنفسه، أقوم في العادة بالسؤال عن أدائه في الماضي، وأول صعوبة أجدها في هذا الصدد أن معظم المستثمرين الأفراد ليسوا على دراية دقيقة بأداء استثماراتهم المباشرة في الماضي، وذلك لعدم وجود آلية سهلة لحساب الأداء الاستثماري (خصوصاً إذا تخللت الفترة إيداعات وسحوبات متعددة من الحساب الاستثماري)، الأمر الذي يصعب معه قياس أدائهم بشكل دقيق ومقارنته بالبدائل الأخرى، وهو أيضاً الأمر الذي يفتح المجال لأن يتصور المرء أداءه في الماضي على نحو أفضل من الواقع. لذا يفضل لأي شخص يستثمر بنفسه وبشكل مباشر أن يقيس أداءه بشكل جدي وذلك باستخدام أسلوب ''معدل العائد الداخلي'' والمعروف بـ IRR والذي يحسب العائد الاستثماري بعد احتساب أثر الإيداعات والسحوبات خلال المدة. ومن الجدير بالذكر أن العديد من برامج المحاسبة الشخصية تقوم بحساب هذا العائد لاستثماراتك نيابة عنك وبشكل تلقائي.
أما إذا تمكنت من حساب عوائدك خلال فترة زمنية معينة، فيصبح السؤال ''بماذا أقارن أدائي لأقرر ما إذا كان جيداً؟'' وفي هذا الصدد ينبغي أن يتغلب أداؤك الشخصي على ثلاثة معايير متسلسلة:
أولاً: ينبغي أن يكون أداؤك أفضل من مؤشر السوق ككل. ومن هذا المنطلق، نذكر أن متوسط الأداء السنوي لمؤشر السوق منذ بداية 2002م حتى نهاية الربع الأول من عام 2011م كان 11.2 في المائة سنوياً، أي أن استثمار 100 ريال في بداية الفترة كان من المفترض أن يحقق لك 267 ريالاً بنهاية الفترة. فإن كان أداؤك ليس أفضل من أداء مؤشر السوق ككل فهذا دليل على أن المستثمر قد لا يمتك ميزة نسبية تذكر لإدارة أمواله مباشرة. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أنك ينبغي أن تختار المؤشر الذي يتناسب مع سياستك الاستثمارية. فالمستثمر الذي يستثمر في الشركات الشرعية فقط ينبغي ألا يقارن أداءه بمؤشر تداول (لأنه يحوي شركات غير شرعية) بل بمؤشر للأسهم السعودية الشرعية.
ثانياً: ينبغي كذلك أن يكون أداؤك أفضل من متوسط أداء الصناديق الاستثمارية، فإن كان أداؤك أفضل بشكل مستمرن فإن ذلك دليل قوي على أنك تملك ميزة نسبية أفضل من مجتمع مدراء الصناديق. ومن هذا المنطلق نذكر أن متوسط الأداء السنوي لصناديق الأسهم السعودية منذ عام 2002م كان 14.6 في المائة سنوياً، أي أن استثمار 100 ريال في بداية الفترة بين صناديق الأسهم السعودية بالتساوي كان من المفترض أن يحقق لك 353 ريالاً بنهاية الفترة. أما إذا كان أداؤك ليس أفضل من متوسط أداء صناديق الاستثمار في السوق نفسها، فإن ذلك قد يدل على أن ميزتك النسبية أفضل من الآخرين في السوق ولكنها تظل أقل من صناديق الاستثمار، مما يجعلها الخيار الاستثماري الأنسب لك. ولأن حساب متوسط أداء الصناديق الاستثمارية ليس متوفراً بشكل مستمر، يمكن للشخص الذي يرغب في الاستثمار المباشر انتقاء صندوق أسهم سعودية ذي أداء جيد واستثمار مبلغ صغير فيه لاستخدامه كمقياس يقارن به أداء استثماراته المباشرة.
ثالثاً: إذا كنت تستثمر بشكل مباشر وتخصص لذلك وقتاً كبيراً للمتابعة والتحليل، فلا يكفي عندئذٍ أن يتغلب أداؤك على أداء مؤشر السوق أو حتى على متوسط أداء الصناديق الاستثمارية فقط، لأنه كان من الممكن لك أن تحقق أداء السوق أو متوسط أداء الصناديق الاستثمارية دون عناء يذكر ودون أن تشغل وقتك، مما يعني أنه كان بإمكانك أن تشغل وقتك بعمل آخر يدر عليك دخلاً إضافياً (كوظيفة أو عمل تجاري تقوم بمتابعته)، ولكن الشخص الذي يخصص وقته للاستثمار يتنازل عن إمكانية شغل وقته بأنشطة ربحية أخرى، مما يعني أن استثماراته ينبغي أن تتغلب على المؤشر بقدر كافٍ لأن يدفع لنفسه أجراً شهرياً منه على الأقل. فعلى سبيل المثال: إذا كان لدى الشخص مدخرات تبلغ مليون ريال، ويبلغ دخله الشهرى 25 ألف ريال، وكان يفكر في التفرغ للتركيز على إدارة محفظته، فلو كان أداء السوق 10 في المائة في سنة من السنوات، فإن أداء محفظته ينبغي أن يكون على الأقل 40 في المائة (أو أكثر من السوق بأربع مرات) لكي يعوض عن الوقت الذي يقضيه للإدارة. وذلك لأنه يجب أن يحقق عائداً يبلغ 10 في المائة على الأقل (وهو عائد السوق) ويضاف إليه عائد يعوضه عن أجوره التي تنازل عنها من أجل التفرغ لإدارة أمواله، والذي يتم حسابه بجمع مجموع دخله السنوي في السابق (والبالغ 300 ألف ريال سنوياً) وقسمة المجموع على المبلغ المستثمر (مليون ريال سعودي) ليعطينا 30 في المائة (300 ألف تقسيم مبلغ الاستثمار الأصلي والبالغ مليون ريال)، ليصبح المجموع الكلي 40 في المائة الذي ينبغي تحقيقه. أما إذا لم تتمكن من تحقيق عائد يتغلب على السوق بقدر كافٍ لأن تدفع لنفسك أجراً مساوياً لما كنت ستحصل عليه في عمل آخر، فقد يكون ذلك دليلاً أن وقتك غير مستغل بالشكل الأنسب، الأمر الذي يستلزم عليك إما شغله بعمل آخر يدر عليك دخلاً أفضل (مع وضع أموالك مع مدير محترف) أو بزيادة المبالغ التي تديرها على نحو يبرر تفرغك لإدارتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي