النخبة والعامة .. أيهما يستحق الدعم؟

شئنا أم أبينا فإن وجود طبقات وتقسيمات في المجتمعات أمر واقع، بل إنه طبيعي ويجب ألا ننظر إليه من زاوية عاطفية أو مثالية، فلا يوجد مجتمع إنساني على وجه الأرض إلا ووجد هذا المفهوم الاجتماعي ـــ السياسي وإن كان بنسب متفاوتة. لذا نجد أن أحد أهم أدوار أي حكومة في العصر الحديث هو ضمان وتحقيق العدالة وعدم السماح بأكل الحقوق وإيقاع الظلم من فئة على أخرى. إن شكل ومكونات هذه التقسيمات تتغير مع الزمن، فقد تكون في مرحلة ما تأخذ البعد القبلي وفي مرحلة أخرى يكون البعد المناطقي هو جوهرها، وفي مراحل أخرى يكون الثراء وسلطة المال هو الأبرز. إلا أن ما يجمعها هو أنها تؤدي في حال تجاوزها الحدود إلى عدم الاستثمار المثالي والكفؤ لموارد المجتمع، وبالتالي تضييع فرص الإسراع بتطوير المجتمع وتحقيق التنمية الشاملة العادلة. ولعل من أكثر ما يتم تداوله بين المهتمين بقضايا التنمية وما يرتبط بها من مفاهيم اجتماعية، مصطلحا النخبة والعامة وأثرهما في مسيرة المجتمعات وتقدمها.
تتجاذب المفهوم المشار إليه أعلاه وجهتا نظر لكل منهما أنصارها ومبرراتها، فهناك من يرى أن إيجاد فئة نخبوية محددة وتوفير الدعم والتمكين لها سيطور المجتمع ويقوده للتقدم، وبالتالي (بعد فترة زمنية) سيصل خير وفوائد تطورها وقيادتها للأكثرية الباقية من المجتمع، بينما ترى وجهة نظر أخرى أن التمكين وإتاحة الفرص حق للجميع، وأن قوى السوق، ومنها المنافسة كفيلة بأن يعم الخير الجميع حتى ولو احتاج ذلك إلى فترة زمنية أطول.
وعند تتبع تاريخ التنمية الحديث في المملكة، خاصة فترة الطفرة الأولى (1975 ـــ 1985) يمكننا القول إن معظم السياسات كانت تصب في هدف توسيع شريحة المستفيدين من المواطنين بصرف النظر عن خلفياتهم، ما أوجد طبقات اجتماعية لها دورها سواء كان ذلك في المجال التعليمي أو الاقتصادي أو الإداري. ولقد كان التفاؤل يسود كثيرين بظهور طبقة وسطى كبيرة تتضمن أطياف المجتمع كافة تقوده في معترك التنمية .. فهل الواقع الحالي يعبر عن ذلك؟ وهل المستقبل يخبئ أمرا مختلفا؟
عندما نرغب في الإجابة عن السؤالين أعلاه في دراسة الواقع السعودي الآن، يجب أن نكون واضحين أن المستهدف من المقال ليس ما حصل سابقا في المجتمع فقط، إنما ما نرغب فيه مستقبل انطلاقا من المرحلة الحالية التي نعيشها (1431 ـــ 2010). كما أن الهدف ليس انتقادا سلبيا وإبرازا للأخطاء، إنما استشراف للمستقبل ومشاركة للآخرين في تجنب عقبات ومشكلات تنموية قد تقع إذا لم يتم تدارك الأمر.
في رأيي ـــ أنه قد تم إجهاض السياسات الحكومية السابقة، التي أشرنا إليها في إيجاد طبقة وسطى كبيرة ممثلة لكل أطياف المجتمع، واستطاعت فئات محددة نتيجة لمواقعها وثرائها الهيمنة على مفاصل حركة المجتمع، فأصبح أفراد هذه الفئات يقودون القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وأصبح اختراق ذلك من قبل الطامحين وذوي الكفاءة من الفئات الأخرى ضربا من المستحيل أو بشكل يسير لا يذكر. وهذا أمر يمكن مشاهدته ــ على سبيل المثال ـــ في اختيار القيادات والهيمنة على المشاريع والأنشطة البارزة في القطاع الخاص. ولو كان الأمر يقتصر على ذلك ـــ مع سوئه وخطورته ـــ لكان من الممكن السكوت عنه في الوقت الحاضر، لكن الإشكالية أن هيمنة هذه النخب ودعمها أصبح على حساب العامة التي أخذت في دفع فاتورة التكاليف على شكل تدنٍ في الخدمات وارتفاع في الأسعار ونقص في مستوى المعيشة وانحدار في معدل الدخل الحقيقي. لقد أصبح للنخبة مدارسها المتطورة ومستشفياتها الراقية وإمكاناتها المالية غير المحدودة وأصبح كثير من العامة يعاني الأمرين للحصول على سرير في مستشفى أو دفع فاتورة كهرباء. أما تملك سكن فقد أصبح مثل العنقاء يسمع ولا يرى عند الأغلبية. كما أن من مشاهد الانحياز للنخبة عدم ردع التجار من رفع الأسعار وتركهم يغمدون سكاكينهم المسمومة في أجساد أغلبية أفراد المجتمع والادعاء كذبا أن ذلك ظاهرة عالمية. أما قمة الانحياز لطبقة النخبة فيظهر بكل وضوح في قضية السعودة التي يقف في وجهها نخبة المنتفعين، حيث أجهضت كل المحاولات والحلول للحد من الاستقدام وإعطاء السعوديين حقهم الوطني في العمل والحصول على الدخول المناسبة التي تعينهم على الحياة. إن من يتعمق في موضوع السعودة يستطيع بكل جلاء أن يفهم الإشكالية التي حاول هذا المقال أن يطرحها.
إن ترك الأمر على ما هو عليه الآن وعدم إقدام الحكومة على التدخل لإعادة التوازن بين طبقات المجتمع سيؤدي إلى وضع خطير يهدد السلم الاجتماعي ويقوض كل الفرص الممكنة للتطور والتقدم في المجتمع السعودي.
واليوم ونحن نرى ما أصدره خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز من مراسيم وقرارات ذات أبعاد تنموية مستقبلية، خاصة الابتعاث غير المسبوق لأبناء الوطن، الذي وصل إلى أكثر من 100 ألف مبتعث، الذين سيعودون قريبا، فإن واجبنا جميعا أن نكون على مستوى المسؤولية وأن نتناغم مع توجهات القيادة ونعطي الفرصة لشرائح المجتمع كافة لتأخذ مكانها في مسيرة التنمية السعودية.

ماذا لو؟
ماذا لو تم إنشاء برنامج خاص لتوظيف خريجي برنامج خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث بعيدا عن بيروقراطية التوظيف السائدة الآن، وبالتالي يتم توجيههم للقطاعات الاقتصادية الحديثة وليس إلى القطاع الحكومي المتخم والمترهل. إن مثل هذا التوجه سيؤدي للاستثمار الأمثل للموارد المالية الكبيرة المخصصة للبرنامج ويضمن وجود الكوادر المؤهلة في بيئات عمل سليمة ومناسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي