النجاح .. قياس ومعايير.. «موسم الحج نموذجاً»
النجاح كلمة سهلة نسمعها بتلقائية، ونفهمها بسطحية، يا ترى ما معنى النجاح؟ ستتمحور الإجابة في الغالب حول حقيقة أن النجاح يتحقق عند الوصول إلى الحد الأدنى المستهدف، وهذا ما تربينا عليه ونربي عليه أبناءنا منذ الصغر، فعندما ينجح الطالب في المدرسة فيعني ذلك أنه اجتاز علامة الرسوب، بعدها نبحث عما بعد النجاح في التقدير ما بين المقبول والممتاز، وهو التصنيف لما بعد النجاح ما بين الضعيف والمتفوق، ومعنى ذلك أن هناك تصنيفاً مسبقاً لقياس الأداء ومعايير محددة لحساب التقدير والعلامة التي يحصل عليها الطالب، مع الأخذ في الاعتبار أن كل زيادة على حد الرسوب تعتبر نجاحاً حتى لو حصل الطالب على تقدير مقبول أو ضعيف!
في العديد من الإنجازات والمشاريع الحكومية والخاصة، بل حتى في حياتنا الشخصية، نطلق وصف النجاح من دون حساب.. هل هو نجاح حقيقي؟ أم وهم؟ أم أنه أمنية؟ ما المعايير؟ ما المقاييس؟ ما الدرجات؟
بعد نهاية موسم الحج وفي الحقيقة حتى قبل ختامه تحتفل الجهات الرسمية بنجاح موسم الحج، وتسهم وسائل الإعلام في التطبيل بنجاح تنظيم الموسم، ولا شك أن نجاح الموسم أمنية وحدث يستحق الفرح من كل المسلمين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نجح الموسم فعلاً؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب تحديد النطاق الزمني لموسم الحج.. هل الموسم يشمل أيام المبيت بمنى من الثامن حتى الثالث عشر، أم أن مفهوم الموسم أعم وأشمل ليبدأ مع قدوم أول حاج إلى أراضي المملكة، ولا ينتهي إلا بمغادرة آخر حاج أراضي المملكة بالسلامة؟!
لا يمكن قياس نجاح موسم الحج من عدمه من دون تحديد نطاق النجاح الذي سيتم اختباره؟ بمعنى آخر يكتنف الحج خلطة معقدة للغاية من الخدمات، لذلك يجب حصر نطاق الخدمات التي سيتم قياسها، والتي يمكن أن تشمل (ولا تقتصر على) ما يلي:
1 - مدى استيعاب الحجاج من الداخل والخارج.
2 - تأشيرات الحجاج ومعاملة سفاراتنا وسرعة الإنجاز لضيوف الرحمن.
3 - النقل بجميع فئاته الجوي والبحري والبري، بما في ذلك تنقلات الحجاج داخل المشاعر، ويشمل ذلك تنقلات الحجاج بين منى والحرم، خاصة خدمات النقل الجماعي.
4 - مساكن الحجاج في مكة والمدينة والمشاعر.
5 - خدمات المطوفين لحجاج الداخل والخارج.
6 - تكلفة أداء فريضة الحج.
7 - حالات الافتراش، خاصة في منى.
8 - الحالة الصحية للحجاج.
9 - الحجاج التائهون.
10 - تصاريح الحجاج ومدى الالتزام بالتطبيق.
11 - النظافة وصحة البيئة.
12 - تقييم التجربة الأولى لقطار المشاعر.
13 - بناء الصورة الإيجابية عن المملكة حكومةً وشعباً.
14 - استقرار الحالة الأمنية.
15 - توافر السلع والخدمات في مكة والمشاعر بجودة عالية.
16 - الرقابة على الأسعار.
هل تم تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها لكل محور من محاور التقييم مسبقاً؟ فمثلاً لو تم تحديد الهدف المحدد لنفرة الحجاج من عرفة إلى مزدلفة بمدة أقصاها ثلاث ساعات لوصول جميع الحجاج إلى مزدلفة واستقرارهم فيها، فإذا تحقق هذا الهدف نكون قد حققنا 100 في المائة، وكل ساعة تأخير يتم مقابلها خصم نسبة من العلامة الكاملة، كما أن تحقيق أقل من 70 في المائة يعتبر إخفاقاً في هذا المحور .. وهكذا لبقية المحاور.
لو تم تقييم موسم الحج بعد أخذ تلك العوامل في الاعتبار، وبعد الاتفاق على معايير واضحة ومحددة ومعلنة للنجاح، هل يا ترى سيتغير التقييم؟ هل سيعتبر موسماً ناجحاً؟ أم متميزاً .. أم .. أم .. آمل أن نرى النتيجة الموسم المقبل.
ماذا لو طبقنا هذا المفهوم على أعمال الجهات الحكومية التي تزف إلينا الإنجازات كل يوم على صفحات الجرائد، وبتصريحات المسؤولين، يا ترى كم مشروعاً سينجح؟ وكم سيكون عدد المسؤولين الناجحين حقيقة؟
هل سنفاجأ بمسؤولين على قدر المسؤولية يعلنون وبكل شفافية معايير النجاح لمؤسساتهم بداية كل عام؟ وينشرون كشف حساب بالنتائج المحققة في نهاية كل عام، وينتقدون أداءهم بناء على النتائج المحققة؟ أتمنى أن يتحقق الحلم.
نسخة مع التحية لجميع المسؤولين الناجحين وغير الناجحين، لأننا حقيقة لا نعرف من الناجح ومن المتفوق، وإن كنا نعرف بعضاً ممن امتلأت شهاداتهم بالدوائر الحمراء.