التخيل .. طريق صناعة المجد
التخيل هو قدرتك على تصور الأشياء تصورا مرئيا في مخيلتك وهو من العمليات أو القدرات المعرفية الراقية والتي ينفرد بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى. يستمد الإنسان من هذه القدرة قوة وأحلاما وأهدافا، فمن التخيل والإبداع صنع الإنسان كل مبتكراته وإنجازاته، حيث ثبت أن المخ يتفاعل بالطريقة نفسها مع الصورة المتخيلة أي أنه لا يفرق بين الصورة الخيالية التي يبدعها خيال الإنسان دون أن تراها عينه وبين الصورة الواقعية. أحلام اليوم هي إنجازات الغد.. وفي حياتنا اليومية كثيرا ما ننجح في تحقيق أشياء كنا نتخيلها فيما سبق، والتخيل عادة مشروعة دائما طالما كانت حافزا للتقدم، وفي القرآن الكريم الكثير والكثير من المواضع التي اعتمدت فيها على تصوير مواقف معينة بهدف بث الحماس في قلب الإنسان كي يقبل على الله، أو بهدف بث الخوف والخشية في قلب الإنسان كي يتقي عذاب الله؛ فالله عز وجل يصور الجنة في عيون المسلمين عندما يقول: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ)، ويقول عز وجل: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ)، ويوجه الإنذار الشديد للفئة الأخرى ويقول: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَ بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) في هذه الآيات وفي آيات أخرى كثيرة حثنا المولى - عز وجل - على تصور تلك المشاهد، باعتبار أن تصورها وتخيلها يشكل أعظم دافع لاتباع أوامره وتجنب نواهيه. وبالفعل جرّب أن تستحضر هذه المشاهد في ذهنك بصفة يومية، ستجد نفسك وبحماس كبير تتجه نحو فعل ما يصل بك إلى الجنة وما يحول بينك وبين النار.
كل شخص ناجح في هذه الحياة بالتأكيد كان يملك حلما، وهناك قصة مشهورة صاحبها فريد سميث مؤسس شركة فيديرال إكسبريس عندما كان صغيرا ويدرس في جامعة بيل الأمريكية، وفي إحدى المواد الدراسية طُلِب من الطلاب عمل مشروع يحلمون بتحقيقه. فماذا فعل فريد؟ كتب خطة لمشروع تفصيلي عن إنشاء شركة لتوصيل الطرود لأي مكان في العالم وتسلمها في اليوم التالي. كان حلما بالنسبة له ورأى أساتذته في الجامعة أنه حلم ساذج لن يتحقق. ولكن فريد كان له رأي آخر، بعد التخرج بسنوات بدأ في تنفيذ المشروع وكانت أول شحنة عبارة عن ثمانية طرود نصفها تخصه هو. تكبد خسائر كبيرة في البداية، حتى بدأ في علاج الأخطاء والمشاكل، ليكبر المشروع ويتحول الحلم إلى حقيقة، وتصبح شركة فيديرال إكسبريس من أكبر الشركات العاملة في مجال الطرود على مستوى العالم.
التصور أو التخيل يعني أنك ترسم سيناريو في ذهنك، حتى يأتي الوقت الملائم ليتحول السيناريو إلى قصة واقعية. مثل التصميم المعماري تماما فأنت تستعين بمهندس معماري ليخطط لك منزلك الجديد، يقوم هذا المهندس بابتكار الفكرة أو المخطط ثم تقوم أنت بتمويل إنشاء المنزل بالاستعانة بعمال البناء. الحقيقة أن كل إنجاز في حياتنا بدأ بفكرة، والفكرة تنشأ دائما في الخيال. والفكرة مثل البذرة تماما تنمو وتنمو لتصبح نباتا ملموسا، وكذلك الفكرة تنمو لتتحول إلى واقع. والتصور مطلوب طالما أنه يحفز الإنسان للتحرك والتقدم.
يجب أن تدرك عزيزي القارئ أن التصور بمفرده لن يحقق لك شيئا، على العكس ربما يصيبك بالإحباط والإحساس العميق بالفشل، فعندما يكون التصور عبارة عن أحلام يقظة وتخيلات لا يصاحبها عمل، فهو بذلك سيتحول إلى وهم قاتل، ولكن التصور وسيلة من المفترض أن تنشط طاقة العمل وتؤدي إلى زيادة إنتاجيتك. وفي أدائك لجميع أعمالك اليومية في العمل وفي المنزل تستطيع أن تتصور الأشياء قبل أن تشرع في القيام بها، على سبيل المثال في عملك تستطيع أن تتصور لقاءك بالعملاء، حيث ترسم في ذهنك تفاصيل المقابلات التي تعقدها معهم، تتصور آراءهم ومشكلاتهم واعتراضاتهم، وتتصور ردودك على هذه الاعتراضات وفاعلك مع مشكلاتهم ومقترحاتهم، تتصور كيف ستقوم بختام مقابلاتك معهم. صدقني هذا سيدفعك لعقد أكبر الصفقات مع عملائك، تستطيع أن تتصور أيضا الاجتماع الذي ستشارك فيه مع زملائك أو رؤسائك، تتصور النقاط التي ينبغي إثارتها في الاجتماع، تتصور الطريقة التي من خلالها تستطيع أن تعرض فكرتك أو اقتراحاتك، وتتصور الكيفية التي تستطيع من خلالها التأثير في أعضاء الاجتماع، وتتصور الاعتراضات التي قد يشيرون إليها بشأن أدائك في العمل، والكيفية التي ستتعامل من خلالها مع هذه الاعتراضات. بقي أن نذكر أنه في بعض الأحيان لن تسير الأمور كما تصورتها، العميل لن يكون بالحالة التي تصورتها، ربما يكون غاضبا إلى حد كبير، أعضاء الاجتماع ربما يكونون في غاية العنف معك. إذن حاول أن تضع تصورا بديلا أو سيناريو مختلفا للأحداث، تتخيل من خلاله أنك مستعد للتعامل مع الأوضاع غير المرغوبة. عزيزي القارئ استيقظ كل يوم ولديك حلم جديد وتصور جديد.