القوة الناعمة والبطالة «الناعمة»!!
القوة الناعمة مصطلح قدّمته العلوم السياسية، حيث يعني أن تكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، وذلك عن طريق دعم مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن لدرجة احترام الآخرين لهذا الأسلوب والإعجاب به، مكوناً بذلك سلاحاً أقوى من القوة السياسية العسكرية. وهذا المصطلح الذي ظهر بدايةً في أواخر القرن التاسع عشر، خصوصاً بعد أحداث تحرير الكويت، حيث تنسب (موسوعة ويكيبيديا) لمساعد وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس كلينتون، أنه أول مَن ابتكره. ولسنا هنا في تعاطٍ للعلوم السياسية أو مصطلحاتها لأنني لا أدخل ولا أحذق فنونها، لكن ما يهمنا هنا هو مقومات القوة الناعمة، خصوصاً أنها ــ في تقديري ــ تتمركز حول المقومات الذاتية للاقتصاد.. فالقوة الصناعية، في اليابان مثلاً، جعلت من هذا البلد قوة مؤثرة عالمياً خلاف القوة العسكرية، وهي قوة اقتصادية بلا شك. وفي فنلندا قوة المعلومات وتقنياتها وما إلى ذلك من الأمثلة في اقتصادات الدول الأخرى ذات القوة الناعمة القوية. ولهذا فقد أصبح العالم الآن يؤمن أكثر بأن القوة العسكرية ليست دوماً هي التي يمكن أن تكون المرجّح للنصر أو الهزيمة. ولذا فنموذج التنمية الاقتصادية هو القوة الحقيقية، خصوصاً إذا كانت مقومات تلك التنمية راسخة في قوتها ومؤهلة فيما يلزم من بناها الأساسية سواء كانت تلك البنى تنظيمية أو تشريعية أو كانت ملموسة وموجودة على أرض الواقع. ولذا من الواجب أن يتم تشخيص وتقييم واقع تلك البنى الأساسية لمعرفة درجة القوة الناعمة تلك ومدى تأثيرها. وفي محيطنا المحلي لا شك أن السعودية تمتلك اقتصاداً قوياً يؤهلها لتكون ذات قوة ناعمة كبيرة ومؤثرة في الخريطة السياسية والدولية. وهذا ما يجب التركيز عليه ودعمه ومراجعته بشكل مستمر يكفل استمرار زخم هذه القوة. إن من أهم نجاح وتأثير هذه القوة هي القوة العاملة، وعلى وجه التحديد، الفرص الوظيفية، كون الاقتصاد يخلق فرصا تتناسب وحجمه ونموه وبالتالي زيادة ناتجه وتنافسيته الدولية. وحين تتأمل في هذا المحور محلياً تجد بعض المفارقات التي لا تتسق وهذا التوجه. فنسب المشاركة في القوى العاملة النسوية محليا مثلا متدنية جداً بما لا يوازي حجم القوة الناعمة الاقتصادية للسعودية. ففي بحث منشور في المجلة الاقتصادية السعودية (عدد خريف 1431هـ) بعنوان ''المرأة وسوق العمل'' ودون الدخول في تفاصيل النسب والأرقام غير أن القاسم المشترك هو تدني مشاركة المرأة في القوى العاملة، بل إن نسب النمو في عدد النساء العاملات في القطاع الخاص قلت بنحو 4 في المائة من عام 2008 إلى عام 2009 غير أنها زادت في القطاع الحكومي. وبربط مثل هذا الإحصاءات ببرامج التخصيص التي يجب أن تكون داعماً رئيساً للقوة الناعمة، من المتوقع أن تخسر هذه القوة زخمها إذا ما صدقت مثل هذه النتائج، فكيف بقوة ناعمة دون أن تكون الأيادي الناعمة لها دور فعال فيها؟!