الأمير سلمان وتطور الرياض
خلال الأيام الماضية وافقت الهيئة العليا لمدينة الرياض برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض على البرنامج التنفيذي المحدث للمخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض. وهذا المخطط معني بتحديد ملامح مستقبل التنمية لمدينة الرياض حتى عام 1450هـ. ومن اطلع على المخطط الاستراتيجي لمدينة الرياض يعلم أن هناك نقلة نوعية في الفكر التخطيطي ستظهر نتائجها على تقدم و تطور المدينة. وحقيقة فإن الأخذ بأسلوب التخطيط الاستراتيجي هو عين الصواب لقيادة التنمية وربط التوجهات بالزمن فقد انتهى زمن التخطيط التقليدي الذي مارسناه لسنوات عديدة. ولعله من نافلة القول أن نشير إلى أن المخططين في جميع دول العالم يتداولون ويأخذون بمصطلح مهم وهو ما يعرف بالميزة النسبية التي تقوم عليها كل أطر التطوير والتنمية سواء كان ذلك لمدينة أو إقليم أو وطن بكاملة. وبعيداً عن المقولات الإنشائية فإن مدينة الرياض أنعم الله عليها بميزة عظيمة هو الأمير سلمان بن عبد العزيز فقد كان هو الباني والموجه لكل جهود التنمية والتطوير لهذه المدينة الرائعة، حيث نقلها من مدينة بسيطة إلى عملاق حضاري يشيد به الكبير والصغير، المواطن و الزائر. فلقد عايشنا كسكان للرياض ما مرت به من قفزات في جميع جوانبها حتى إن المرء في بعض الأحيان لا يستطيع متابعة الصورة الكاملة في ذهنه ولا يستطيع كذلك أن يلم بجميع نواحيها وأحيائها المتعددة. هذا الواقع لا يعني بأي حال من الأحوال أنه لا توجد نواقص أو مشكلات تنموية، فهذا ضرب من المستحيل فلا توجد مدينة في العالم لا توجد فيها بقع سوداء في ردائها الأبيض. كما أن التطوير والتنمية ليست عملية جامدة بل عملية ديناميكية مستمرة فما يرضينا اليوم قد لا يكون مقبولاً في الغد. ومن هنا تأتي أهمية المخطط الاستراتيجي لمدينة الرياض، وكذلك عملية التحديث المستمرة له.
الأمير سلمان ــ حفظه الله ــ رمز كبير في مسيرة الوطن ككل لا يكفيه مقال بسيط، فالكل شاهد له في جميع أنحاء السعودية مكاناً وإنسانا، ومجال عطاءاته فضاء واسع يتيح لمن يرغب الكتابة أن يسطر أروع الحروف، ولكن هذا المقال معني بحدث واحد هو الموافقة على المخطط الاستراتيجي لمدينة الرياض وما يرتبط به من رأي تنموي.
مدينة الرياض تسير اليوم في الاتجاه الصحيح لتكون مدينة عالمية حجماً وسكاناً ونشاطاً، إلا أن ما يخيف المعنيين بشؤون التنمية هو وجود شوائب وسلبيات قد تكون حجر عثرة في طريق المدينة مستقبلاً. ولقد تناولت بعض منها في مقال سابق في هذه الجريدة، ولذا لا حاجة إلى التكرار مرة أخرى.
لقد قطعت مدينة الرياض شوطاً كبيراً في مسيرتها التنموية وهي قادرة بإمكاناتها الذاتية على تقييم مسارها عندما تكون هنالك حاجة لذلك. ولذا فإن الأمل كبير أن تنتقل جهود الهيئة العليا إلى بقية محافظات ومدن المنطقة وإعطائها قوة الدفع اللازمة ووضع رؤية تنموية وفكر استراتيجي مماثل لما يتم في مدينة الرياض، وهذا سيحقق العديد من الأهداف التنموية التي يصب كثير منها في معالجة السلبيات التنموية لمدينة الرياض، ومن ذلك الهجرة الداخلية العالية وتداخل الأدوار الوظيفية للمدينة.
لم يعد كافياً أن تتطور مدينة الرياض ويوضع لها المخططات الاستراتيجية، فإذا لم تعالج مشكلات ما حولها أو ما يرتبط بها من مدن، فإن النتائج المتوقعة لن تكون على مستوى المأمول.
إن أي تقييم لمعدلات التنمية في كثير من مدن المنطقة سيظهر الفارق الكبير بين مدينة الرياض وهذه المدن، كما أن معظم مدن المنطقة ومحافظاتها تفتقد الدور الوظيفي المحرك لاقتصادها. ويقوم التخطيط لها في الغالب على فلسفة التخطيط الفيزيقي التقليدي القائم على تحديد استعمالات الأراضي المستقبلية.
إنه من النادر أن تجد أو تسمع في كثير من مدن ومحافظات المنطقة مبادرات تنموية وفكرا استثماريا قادرا على تحريك الاقتصاد المحلي، وإنما يدور الجدل دائماً حول كيفية زيادة نصيب هذه المدن من الإنفاق العام الصادر من الحكومة على هيئة بناء مستشفيات أو مدارس أو طرق وما شابهها من مرافق وخدمات.
لقد عملت كثير من الدراسات وقدمت العديد من الاستشارات الهادفة إلى دفع عجلة التنمية في بقية أجزاء منطقة الرياض ومنها المخطط الإقليمي وتبلور لدى المختصين مبدأ المحاور التنموية كوسيلة فاعلة للتنفيذ واقترحت ثلاثة محاور هي المحور الغربي و المحور الجنوبي والمحور الشمالي ووضعت الرؤى لتنميتها بناء على ما يتوافر لديها من موارد وإمكانات تصلح لدور وظيفي قادر على تحريك الاقتصاد المحلي وتوفير الوظائف المناسبة للسكان وبالتالي الدخول المجزية.
إن توجيه الأمير سلمان بن عبد العزيز وإعطاء الدعم لهذا التوجه سيكون عاملاً حاسماً لرؤية واقع جديد في منطقة الرياض يقوم على الفكر التخطيطي الاستراتيجي الحديث ويستثمر موارد المحافظات بشكل فعال.
نحن نعرف أن مثل هذا الأمر هو محل اهتمام سموه وما نأمله هو إعطاؤه الصبغة المؤسسية بتكليف الهيئة العليا للرياض بالانطلاق إلى خارج مدينه الرياض وبالروح نفسها والمنهجية الحاصلة منها لتطوير مدينه الرياض ليس تخطيطاً ودراسة فقط، ولكن قيادة وتنفيذاً وإشرافاً على مكونات التنمية.
ماذا لو؟
ماذا لو قامت الهيئة العليا لتطوير الرياض بفتح ثلاثة فروع لها تتعامل مع محاور التنمية في المنطقة وهي المحور الغربي والمحور الجنوبي والمحور الشمالي. إن مثل هذا التوجه قادر ـــ إن شاء الله ـــ على توفير الانطلاقة للتنمية الحقيقية ولتجاوز هيمنة النمو التقليدي والفرق بين التنمية والنمو كبير.