علم الأبدان .. إذا كان الغذاء سليما فلا داعي للدواء
لقد كان الطب الإسلامي رمزا من رموز الحضارة الإسلامية حتى أن كثيرا من كتب الطب الإسلامي كانت تدرس في الدول الغربية إلى عهد قريب، إلى أن بدأ الطب الإسلامي يندثر تدريجيا منذ بدايات القرن الماضي. ويعزى هذا التحول إلى اتجاه مدارس الطب للاعتماد الكلي على الدواء الكيميائي والذي أظهر عبر سنين مضت أضرارا جانبية كثيرة تتفاقم سنة بعد سنة لتركيز الطب الحديث على معالجة أعراض المرض وليس على أصل نشوء المرض؛ مما أدى مع مرور الوقت إلى انعدام النظرة الشمولية للجسم وإضفاء الصبغة التجارية على التعامل مع الأمراض بشتى أنواعها ومسبباتها.
ولتعزيز هذا المبدأ نشأت مدارس ما يسمى اليوم بـ ''الطب البديل'' الذي يركز على البحث عن سبل أخرى للعلاج تكون أقل خطرا وأكثر فاعلية بتجنب الأدوية الكيميائية والتركيز على أصل المرض وليس أعراض المرض. ومن بين ما تناوله الأطباء القدامى بتميز هو ما يسمى ''علم الأبدان'' الذي ينظر للبدن نظرة شمولية ويفرق بين أبدان الناس كل بما يناسبه من غذاء ودواء بحيث يتم إرجاع البدن لحالة الاتزان الصحي، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي استجدت على بيئة الإنسان وغذائه.
ورغبة في تفعيل جوانب عديدة من الطب النبوي والإسلامي القديم بشكل عصري ومتميز؛ وذلك بهدف إحياء طرق الطب الإسلامي في العلاج التي اندثرت مع مرور الوقت، حيث يمكن البدء في إحياء بعض الطرق بشكل مبسط مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي استجدت في عالم اليوم من اعتماد الناس على الأغذية المعلبة والمأكولات السريعة وإدخال المواد الحافظة في الأطعمة بكافة أنواعها.
إذا كان الغذاء سيئا فلا جدوى من الدواء وحين يكون الغذاء سليما فلا داعي للدواء ''.. فقد انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من الأمراض المزمنة بسبب التغيير الكبير في العادات الغذائية والبيئية التي نجح الطب الحديث في تشخيصها، لكن لم يتوصل إلى علاجها أو الوقاية منها. ومن هذا المنطلق تم التركيز على أهمية تغيير السلوك الغذائي الخاطئ المتمثل في عدم موافقة نوعية الغذاء للبدن أو بسبب طرق تصنيعه أو طرق حفظه والذي أثر سلبا على توازن الإنسان الصحي.
وقد استفاد الكثير من الطرق العلاجية المعتمدة على الطب النبوي وما خلفه الأطباء القدامى المشهورون مثل ابن سينا والرازي وغيرهما من تراث مهم في هذا المجال، بالتوازي مع بعض العلوم الأخرى مثل علم الوخز بإبر النحل للوصول إلى الشفاء بأسرع الطرق والتخلص من آثار الأمراض المزمنة من غير أعراض جانبية.
وعلم الأبدان: هو علم يختص بتوضيح الفروقات بين الأبدان المختلفة وأسباب نشوء الأمراض وطرق علاجها؛ مما يمكّن من التعرف على قوة أعضاء البدن من علامات خارجية ظاهرة تكون في اللون والأطراف والوجه والنبض والحركات والبول والإخراج.
ويهدف إحياء علم الأبدان إلى أمور عدة، هي: تقليل حاجة المرضى إلى المراكز الصحية والارتباط المزمن بالأدوية الكيميائية، استحداث طرق علاجية جديدة تعتمد على تغيير النمط الغذائي ودون استخدام أي خلطات خاصة، العمل على إيقاف انتشار الأمراض المزمنة، إحياء علوم الطب الإسلامي القديم بشكل عصري، ونشر ثقافة طب علم الأبدان في المجتمع عن طريق توجيه الإنسان للغذاء المناسب لبدنه للحصول على الاتزان، التحذير من بعض العادات الغذائية الخاطئة لإبعاد الإنسان عن مسببات الأمراض، إضافة إلى وضع أسس للحجامة تزيد من منافعها وتحذر من مضارها.
وقد تم جمع معلومات علم الأبدان من كتب علماء أجلاء مثل: الرازي، وابن سينا، والواقدي، وابن النفيس، وغيرهم ممن تمرسوا في هذه العلوم وكانوا علامات بارزة فيه مع الأخذ بالأسباب والمتغيرات العصرية التي أثرت تأثيرا مباشرا على بيئة الإنسان وغذائه. وكل ذلك يدور في فلك إحياء الطب الإسلامي بشكل معاصر والمبني على أن هناك فروقا بين الأبدان؛ مما يتطلب معرفة نوع البدن قبل العلاج، ثم كتابة برنامج الحمية المناسبة لهذا النوع من البدن، مع الأخذ بالاعتبار المرض المصاحب له.
وبالنسبة للوضع الحالي للطب البديل: لا يوجد حاليا تفريق بين أبدان الناس، حيث يعامل الكل معاملة واحدة حسب نوع المرض مما يقلل فرص الشفاء وأحيانا تكون الطريقة تضر بالمريض أكثر مما تنفعه.
ومن فوائد إحياء طرق الطب الإسلامي: أن إحياء علم الأبدان المندثر، وذلك بحلة جديدة تجمع بين الأصول الطبية القديمة والأبحاث العصرية، توضيح أصل علم الأبدان وارتباطه بالمكان (البيئة) والزمان (فصول السنة، توضيح أنواع الأمراض البسيطة والمزمنة الخاصة بكل بدن، وقاية الجسم من الأمراض قبل وقوعها، إضافة إلى تعرف الإنسان على ما يناسبه من الغذاء والدواء العشبي أو الصخري (عناصر معدنية) حسب طبيعة المرض.
ومن فوائد إحياء طرق الطب الإسلامي، معرفة مدى جاهزية البدن للعلاج بالحجامة أو الوخز بإبر النحل أو التدليك حسب نوع بدنه، إعداد برامج الحميات الغذائية حسب أنواع الأبدان والأمراض والهدف منها إرجاع الجسم إلى اتزانه كي يقاوم المرض ذاتيا، تنقية الجسم من السموم حسب نوع البدن؛ لأن لكل نوع من الأبدان طريقة في التنظيف، قوة البدن العقلية والبدنية بعد عودة البدن للاتزان، رجوع جواهر البدن الرئيسة كالكبد والقلب وغيرهما إلى طبيعتها، ومعرفة ما يناسب الإنسان من الغذاء وما يضره وتطبيق الحمية المناسبة لذلك، إلى جانب معرفة أوقات الأكل المناسبة في اليوم وخلال فصول السنة، وكذلك فإن الراحة النفسية تأتي مع اتزان البدن تلقائيا وتقليل قابلية الإنسان للتعرض للأمراض بعد اتزان البدن وتقليل الحاجة إلى استخدام الأدوية الكيميائية، كما أن من فوائد أحياء طرق الطب الإسلامي هو علاج أصل المشكلة في الجسد وليس آثارها (وهذا يبين الفرق بين علم الأبدان الطبيعي (المعتمد على الطبيعة) والطب الكيميائي.
ومثال على ربط الطب الإسلامي أو علم الأبدان بالطب الحديث البعض يلاحظ أنهم مصابون بما نسميه ''برودة المعدة''. وحيث إن الأطباء لا يتكلمون عن هذه الإشكالية المنتشرة في هذا الزمان والتي تتسبب بشكل غير مباشر بالعدد من العلل كالربو ومشاكل المفاصل وتساقط الشعر والإجهاد وضعف في الرحم (ارتباك العادة الشهرية وتأخر الحمل) لدى النساء والضعف الجنسي للرجال، وغير ذلك.
ولكي أوضح ما معنى برودة المعدة، فكما قيل قديما ''المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء''، فهي أن تضعف المعدة عن القيام بدورها في تجهيز الغذاء بشكل مناسب للأمعاء بسبب دخول برد أثر على أعصابها فضعفت حركتها وضعف هضمها وقلت إفرازاتها.
فالمعدة كالقدر إن لم تكن فيها حرارة كافية لم تنضج الطعام وتجهزه للأمعاء على شكل (كيموس) فيحدث أن تلفظ الأمعاء هذا الناتج غير الناضج من المعدة فإن كانت الأمعاء قوية حدث إسهال وإن كانت الأمعاء ضعيفة أو باردة تسبب ذلك في الإمساك.
والإشكالية أن ''برودة المعدة'' منتشرة ولا أحد يشخّصها بطريقة صحيحة، فالأطباء في هذا الزمان لا يتكلمون عنها لأن لهم نظرة أخرى في التشخيص، وربما أقرب تعريف لها في الطب الحديث ضعف تركيز حمض المعدة.
فحرارة بعض الأعضاء الرئيسة يعني نشاطها وبرودتها يعني ضعفها، ويمكن ربطه بتعاريف الطب الحديث.
ما مسببات برودة المعدة؟
من الرصد وجدنا أن أكبر مسبب لبرودة المعدة هو الإكثار من تناول الحوامض، خاصة على الجوع أو العطش من دون استخدام الإنسان للدهون النافعة ويندرج تحت الحوامض: الليمون والحمضيات من الفواكه، وخاصة العصير، الشاي الأحمر حيث كلما زاد غليانه وغمق لونه وقلت جودته زادت حمضيته، المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والدايت، بعض العصائر المحتوية على حوامض كمواد حافظة، المضادات الحيوية (وكلما زاد رقمها أي قوتها زادت قوة الحمضية)، إضافة إلى المخللات، وعلى رأسها الخل الصناعي. وكقاعدة كل حامض قابض أي مسبب لانقباض العروق وحدوث الإمساك وهو موهن للعصب، خاصة إذا كان على شكل سائل ومركز ويزيد أثر ذلك على العصب إذا لم يرافقه استخدام الدهون النافعة في الطعام؛ فالدهون النافعة تعمل كحماية للأعصاب في الجسم وإدمان هذه الحوامض مع الوقت يتسبب فيما يسمى برودة المعدة، وذلك بأن توهن هذه الحوامض أعصاب المعدة والأمعاء ويصل ضررها مع السنين بأن تضعف أعصاب أخرى كعصب الرحم في النساء وقد تضعف قوة الرجل الجنسية كذلك، ويتسبب هذا الإدمان للحوامض مع الوقت خاصة للنحفاء في حدوث الإمساك المزمن الذي لا ينفع معه علاج لأن المريض لم يعرف سبب علته.
ومن علامات الإصابة ببرودة المعدة هناك أعراض عدة تزيد وتنقص حسب اختلاف شدتها وتتمثل في صعوبة هضم الأكل الغليظ (مثل الفول والجريش) من دون شطة أو الخردل (ماسترد) أو كمون وبقائه طويلا في المعدة، حدوث برودة الأطرف، خاصة اليدين، يترافق غالبا مع وجود سواد تحت الأعين فكلما اشتد زاد ضعف الجهاز الهضمي خاصة الكبد والمعدة، عدم الاستفادة من الأكل، حيث لا يظهر آثار الأكل على الإنسان في تحسن الصحة أو السمنة، تساقط الشعر، الإحساس الزائد بالبرد بسبب ضعف الدورة الدموية، وكذلك الضعف في العصب قد يصل أحيانا للرعشة في اليد بسبب ضعف امتصاص فيتامينات B المركبة الناتج عن ضعف البكتيريا النافعة وتراكم غاز الميثان في أمعاء أصحاب الإمساك، فيحدث ضعف في الشعر والجلد، إلى جانب حدوث إمساك المزمن مع المستوى المتقدم من برودة المعدة التي تصل فيها البرودة للأمعاء فتضعف عصبها ويصاب المرء بالإمساك، وهو ما يحدث مع الزمن ضعف في القولون. كما يصاحب ذلك أمراض مثل: نوع من الربو يحدث عندما تزيد الرطوبة في الجسم الناتجة عن برودة المعدة فترى المريض يعالج في كل مكان ولا يستفيد؛ لأنه لم يعرف أصل المرض، نوع من آلام المفاصل بسبب تراكم رطوبات ناتجة من برودة المعدة في المفاصل، وقد تكون متورمة وتزيد آلامها الأماكن الباردة، ضعف الرحم فيحدث ارتباك العادة الشهرية لدى النساء وتأخرها وقلة تركيزها، وأحيانا يحدث تأخر في الحمل، إضافة إلى الضعف الجنسي كنتيجة لضعف الجسم وعدم استفادته من الغذاء. وبعد أن انتهينا من التشخيص فليراجع كل إنسان نفسه فإن صار فيه أكثر ما ذكر من علامات ففيه برودة معدة، وكلما زادت العلامات لديه فيعني ذلك أن معدته شديدة البرودة.