الأبواب المغلقة!!
للمجتمع السعودي خصائص معينة تكسبه طبيعة خاصة، تلك الخصائص جعلت صانع القرار في هذا المجتمع يقع دائماً تحت تأثير ضغوط متعددة، تسهم هذه الضغوط في كثير من الأحيان في تأجيل القرار أو إلغائه حتى لو كان صحيحاً ومشروعاً. ولهذا نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة ونحن نبحث عن حلول عملية لمشكلة ما. على سبيل المثال وليس الحصر قرار مجلس الوزراء رقم 120 الذي يؤكد في أحد نصوصه على قصر العمل في محال بيع الملابس النسائية الداخلية على المرأة السعودية، القرار منطقي وموضوعي ومشروع بالتأكيد، لأنه يجنب نساءنا الكثير من الإحراجات، ولأنه أيضا يتيح فرص عمل كثيرة للنساء السعوديات، ويضعهن في المكان المناسب لهن، ويتعامل بفاعلية مع ظاهرة سيطرة العمالة الأجنبية على محال بيع الملابس النسائية الداخلية. لم يتحرك هذا القرار خطوة واحدة في طريق التفعيل لعدة أسباب من بينها الضغوط التي مارسها أصحاب المصالح (المحال) وعدم استجابتهم للقرار، حيث سيجعلهم هذا القرار يتحملون مرتبات عالية وتكلفة لتهيئة المكان، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، سبب آخر وجوهري يتعلق بالضغوط التي مارستها جهات محافظة والتي ترى أن هذا التوجه يفتح الباب للاختلاط ووجود المرأة في الأسواق، إضافة إلى شكوكهم التي كانت تصاحب الرموز الذين تبنوا هذا القرار ودعموه. وهنا نجد أنفسنا كالعادة أمام إشكالية فتح الباب أم غلقه، تلك الإشكالية التي أرى أنها تسببت في ضياع الكثير من الفرص التي كان من الممكن أن تسهم في تطوير العديد من مناحي الحياة في مجتمعنا، وفي إطار يتوافق مع هويتنا وثوابتنا. ولكن عندما ننظر للأمور بمنظور ضيق لن نتمكن من إدراك تلك الفرص، فعندما نتعامل مع عمل المرأة باعتباره يفتح أبواباً لأوضاع غير مقبولة نغض طرفنا عن الأبواب المفتوحة التي يجب غلقها، أليست بطالة النساء باباً مفتوحاً بالفعل يجب أن نغلقه؟! أليس عمل الأجنبي واختلاطه بنسائنا وفتياتنا في تلك المحال بابا مفتوحاً بالفعل يجب أن نغلقه؟! ودون الاستطراد في ذكر الكثير من المواضع التي نصر فيها على بقاء الأبواب مغلقة على الرغم من وجود فرص لفتح الأبواب في أطر وضوابط معينة، يجب أن نعيد النظر الآن في العديد من توجهاتنا ـــ دون التنازل عن ثوابتنا ـــ مع المزيد من المرونة في إيجاد الحلول، فالعالم حولنا يتغير بشدة، والكون تحول لقرية واحدة بفضل سهولة التواصل والإعلام الفضائي، والحرية أصبحت هي المطلب الأول للشعوب، والكثير من الأبواب المغلقة لسنوات طويلة تفتح الآن على مصاريعها، والجميع يطالب بحقه في الاختيار وحقه في تحمل مسؤولية اختياره، ولأننا مجتمع له سماته الخاصة علينا أيضاً أن نصنع لأنفسنا حالتنا الخاصة وهي حالة ترتكز على الثوابت، ولكنها في الوقت ذاته تنفتح على الحلول الإبداعية، فعندما نتعامل مع قرار مجلس الوزراء رقم 120 ونسعى لتفعيله أعتقد أنه من المتاح أن تكون هناك أسواق نسائية تتردد عليها النساء للتسوق أو على الأقل أجزاء مغلقة نسائية داخل تلك الأسواق، ومن الممكن أن توفر تلك الأسواق وسائل انتقال للعاملات بها من وإلى مقر العمل. الحلول الإبداعية دائماً حاضرة، ولكنها في حاجة إلى رؤية متعددة الزوايا. الأبواب المفتوحة كثيرة والمغلقة أكثر وأكثر، والحكمة كل الحكمة تظهر في فتح الأبواب التي يجب أن تفتح وغلق الأبواب التي يجب أن تغلق.. تلك الحكمة هي ضالتنا الآن.