المشاريع الصغيرة وما تعلمت من دبي
لا أحد يجهل أهمية العمل التجاري، وخصوصاً المشاريع الصغيرة، حيث إنها من أهم أعمدة اقتصاديات الدول المتقدمة وهي توظف ما لا يقل عن 40 في المائة من مواطني هذه المجتمعات، كما أنها تساهم في اقتصاد الدول وهي أساس معظم أكبر الشركات في بلدنا وفي العالم، فمعظم هذه الشركات ناتج عن مشاريع صغيرة. والمواطن التاجر بدل أن يبحث عن وظيفة أصبح صانعها، وبدل أن ينتظر راتب آخر الشهر أصبح هو من يُعطي الرواتب. ولتشجيع هذه المشاريع الصغيرة فإنه يجب على الدول مساعدة أصحاب هذه المشاريع بتحفيزهم، أو على أقل احتمال بتسهيل أمورهم. فعند تعقيد الإجراءات فإن نسبة فشل هذه المشاريع في مرحلة متقدمة أو وأد الفكرة في بدايتها هي نسبة كبيرة، وهذه بيئة لا تشجع على العمل التجاري.
ونظراً لأن التجارة هي عبارة عن بيع سلعة أو تقديم خدمة وأخذ مقابل عليها، ولها أربعة أركان ترتكز عليها، وهي الفكرة، والموارد المالية (رأس المال)، والموارد البشرية (الموظفين)، وغطاء قانوني (الرخصة التجارية)، وبما أن الفكرة ورأس المال هي مسؤولية التاجر، وأن الغطاء القانوني والموارد البشرية (فيز العمالة) هي من مسؤولية الدولة ، فإنه يجب على الدولة تسهيل ما يخصها من هذه الأركان ليقوم التاجر بعمله ويتحقق الصالح العام. فبدون توافر أحد هذه الأركان الأربعة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم التجارة وتستمر. وهذا لا يلغي توطين الوظائف، ولكن توطين الوظائف في بداية المشاريع الصغيرة يكاد أن يكون مستحيلاً.
ودبي هي إحدى المدن التي أبدعت في هذا المجال، حيث إنها هيّأت تربة خصبة لكل من يرغب في التجارة، فسهّلت له أمور فيز العمالة واستخراج الرخصة التجارية حتى أصبح من الممكن أن تنشئ عملا تجاريا في دبي وتبدأ العمل في يوم أو يومين. وكأن دبي تقول للتاجر ''مني التسهيلات ومنك العمل''، وهذا يجعل الميدان مفتوحا إمامك لتطبيق أفكارك التجارية والتي إما سينتهي بها المطاف لتكون تجارة رابحة توظف مئات الناس ومنهم أهل البلد وتساهم في نمو الاقتصاد، وإما أن ينتهي بك المطاف بخسارة رأس مالك والتوقف أو التوجه إلى فكرة أخرى. فبيـئة مثل هذه البيئة تشجع الناس على العمل التجاري وتجعل نسب النجاح فيه كبيرة، وهذه فعلاً ميزة تفضيلية لدبي. ففي غيرها من البلدان يحتاج المواطن إلى عدة أسابيع أو أشهر لبدء العمل التجاري وربما تصل مرحلة من التعقيد تجعلك تُحجم عن البدء في التجارة، وعادة ما يتم وأد الفكرة عند ولادتها في هذه البلدان بسبب الإجراءات المجحفة في حق من يرغب في مزاولة العمل التجاري.
لقد بدأت العمل التجاري في دبي في عام 2004 وتعلمت أشياء مهمة لم أكن لأتعلمها لو الله ثم دبي. لقد تعلمت:
- أن موظف الدولة مع التدريب الجيد والرقابة يمكن أن يصبح أفضل من موظفي القطاع الخاص.
- أنه لا داعي للواسطة أو تملق الموظف لإنجاز أعمالك بسرعة.
- أن مقرات الجهات الحكومية التي تستقبل المراجعين ممكن أن تكون جميلة ونظيفة مثل مقرات القطاع الخاص.
- تعلمت أن موظفي الدولة ومنهم كتاب العدل يتواجدون في مكاتبهم من 7:30 إلى 2:30 ، وأن موظف الدولة لا يُفطر في مكتبه لأنه وقت عمل.
- أن مديري إدارات الجهات الحكومية مشغولون بإدارة وتطوير إداراتهم وليس حل مشاكل المراجعين.
- أنك كرجل أعمال أو مدير تنفيذي ليس من اختصاصك أو من اهتمامك التعقيب أو ملاحقة المعقبين لإنهاء أعمالك، وإنما عملك هو إعداد الخطط والاستراتيجيات لتطوير أعمالك.
- أن أهم الأشخاص في الشركة هو الرئيس التنفيذي ومديرو الإدارات وليس المعقب. (وهذا لا يعني التقليل من أهمية أي موظف في الشركة).
- تعلمت أن التجارة هي تقديم خدمة أو سلعة وأخذ مقابلها وليس محاولة التلاعب على النظام بشتى الطرق.
- تعلمت أن البلد ممكن أن يربح من تسهيل أعمالك أكثر مما سيخسره بإغلاق الأبواب في وجهك.
- كما أنني تعلمت أنه ليس كل من انتقد بلده هو حاقد أو عديم الوطنية، وإنما محب غيور يتمنى أن تصبح بلده أحسن من دبي. وفي المقابل، تعلمت أنه ليس كل من يدافع عن بلده وينتقد من ينتقدها هو محب لبلده ولديه وطنية، وإنما ربما يكون من الخطوط الأمامية للفساد.
لله درك يا دبي علمتني الكثير ... ولله درك يا بلدي أحِبُكِ أكثر.