موقع السودان على خريطة التمويل الإسلامي

خطوات التمويل الإسلامي في السودان خطوات ثابتة وتكتسب قوتها من نظام مالي إسلامي مدعوم بتوجه سياسي يتبنى الإسلام كمرجعية للنظام المالي فيه، وبالرغم من الاستهداف العالمي من حصار وغيره، إلا أن النظام المالي لا يزال يقاوم في الشمال السوداني بعد انفصاله عن الجنوب نتيجة للاستفتاء الأخير.
بيد أن تقليص خريطة السودان السياسية والاقتصادية شكل حافزا وتحديا لدى الحكومة الحالية للتطوير قدر الإمكان وتسريع الخطوات باتجاه التركيز على الثروات الاقتصادية في الشمال من أجل تعويض خسائر العائدات النفطية التي ترتبط بالجنوب بنسبة تقارب 80 في المائة من إجمالي الناتج النفطي السوداني، وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الحالية قد استقرت على تقسيم العوائد النفطية مناصفة بنسبة 50 في المائة لكلا الطرفين ولمدة ثلاث سنوات مقبلة، إلا أن ظهور الذهب الأصفر في الشمال من المحتمل أن يعوض جزئيا عوائد الذهب الأسود الذي يمر بالأنابيب عبر الشمال للتصدير إلى الخارج، وستحرم الأرض السودانية الشمالية التي لها المكتسبات الأولى في التنقيب والاستخراج من عوائده في المستقبل القريب، ناهيك عن غنى أرض السودان بالمعادن التي تتنوع بين البترول، الذهب، الفضة، والكروم ، وغيرها بكميات تصديرية.
ففي ظل حكومة تتبنى النهج الإسلامي تحتكر مساحة أرض تُقدر بنحو مليون ميل مربع (2.5 مليون كيلو متر مربع) ـــ قبل التقسيم ـــ وتعد إحدى كبريات الدول الإفريقية وتأتي في المرتبة التاسعة بين بلدان العالم الأكبر مساحة، وهي أكبر الدول العربية والإفريقية مساحة؛ إذ تعادل مساحة السودان 8.3 في المائة من مساحة إفريقيا، وتُشكّل المساحة الزراعية ما يقارب 200 مليون فدان (84 مليون هكتار)، ويُقدّر مخزون المياه الجوفية بنحو 900 مليار متر من المياه لأغراض الري والاستخدامات المدنية. ويحتل النيل بروافده المختلفة دوراً محوريا في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي العلاقات الخارجية، وتُستغل مياه النيل وروافده في توليد الكهرباء، وبهذه المعطيات الاقتصادية والجغرافية يعد السودان سلة الغذاء العربي وأكثر.
أما ما يتعلق بالتمويل الإسلامي فتجربة السودان الفريدة ارتقت لأن تكون مدرسة بمعطياتها الريادية والابتكارية، إذ قدمت السودان نموذجا فريدا في الأسبقية في تبني التمويل الإسلامي والعمل على دمجه ومأسسته عبر مؤسسات الدولة وتوفير بديل إسلامي مناسب للجماهير العريضة المتعطشة للحلول الإسلامية بالفطرة. وعلى الرغم من بطء الخطوات باتجاه العمل التنظيمي والتوثيقي لهذه التجربة، إلا أنه يُشهد للسودان بأنه ما فتئ يقدم للعالم النموذج المالي الإسلامي الذي لا يبخل على الزائر بشفافية عالية في تقديم المعلومات والشرح الوافي عن المعطيات التي أسهمت في تثبيت العناصر الرئيسة لأسلمة النظام.
يزيد عدد البنوك الإسلامية العاملة في السودان على 28 بنكا إسلاميا، وهو بذلك الأول عالميا في عدد البنوك الإسلامية العاملة فيه، إضافة لدوره الريادي في الفكر التكافلي، ويعد من الأعضاء المؤسسين في عديد من المؤسسات الدولية المنظمة للعمل المالي الإسلامي. وقام السودان بخطوة رائدة في توحيد المرجعية الشرعية على مستوى الدولة من خلال الهيئة العليا للرقابة الشرعية التي تم توثيق فتواها أخيرا ولغاية عام 2005 وتمت فهرستها لدى المكتبة الوطنية في السودان.
أما ما يتعلق بالصكوك فقد أصدر السودان 22 إصدارا من الصكوك في الفترة الواقعة ما بين 2001 و2010، بحجم 13057.713 مليون دولار، بما يعادل 6.62 في المائة من الحجم الكلي للإصدارات في العالم، واحتل بذلك المركز الرابع عالميا، كما استحدث السودان أدوات إسلامية لإدارة السياسة النقدية والسيولة وهي الشهادات (الصكوك) التي يصدرها بنك السودان المركزي بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العليا للرقابة الشرعية.
وفي ظل التغيرات السياسية التي يشهدها الشمال الإفريقي فإن دور السودان سيكون أكثر تأثيرا في وضع بصماته الحقيقية وفي التأسيس لصناعة التمويل الإسلامي في دول ما زالت غضة طرية في هذا الاتجاه من ناحية البنية التحتية للصناعة، والتشريعات، والكوادر المدربة. وفي انتظار استكمال الدور الواعد لهذه المدرسة.. يبقى التساؤل عن مدى صمود الاستقرار السياسي أمام الهجمات الملتفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي