الأوامر الملكية الكريمة وما تحمل في طياتها من فرص

لا يختلف اثنان على أن الأوامر الملكية الأخيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - سيكون لها بالغ الأثر في مختلف نواحي الحياة، بل يمتد أثرها ليشمل أيضا أسواق المال والأعمال، هذا فضلا عن تأكيدها قوة معطيات الاقتصاد المحلي في وقت يتعثر فيه كثير من الدول تحت وطأة الديون، كما أنها تتعاطى بصورة مباشرة مع بعض التحديات الرئيسية التي نواجهها في المملكة. لقد تضمنت الأوامر الملكية الكريمة برنامجا إنفاقيا جديدا تبلغ قيمته الإجمالية 500 مليار ريال، سيؤدي دون شك إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي هذا العام إلى أعلى معدل يشهده منذ فترة الطفرة في منتصف العقد الماضي. وقد دخل جزء من هذا الإنفاق التحفيزي دورة الاقتصاد بالفعل، مثل مكافأة راتب الشهرين التي منحت إلى موظفي الدولة، ولا يزال الجزء الأكبر منه قادما في الطريق. إنني على قناعة تامة بأن هذا الكم الهائل من الإنفاق التحفيزي سيوفر فرصا قيّمة للمستثمرين، سواء لقطاعات الأعمال المرتبطة أنشطتها بالاقتصاد المحلي أو عبر سوق الأسهم.
لا يخفى على أحد أن الهدف الأساسي لهذا البرنامج هو الارتقاء بنوعية الحياة وتحسينها لمحدودي الدخل من المواطنين من خلال توفير السكن الملائم وعبر تقديم المساعدات النقدية المباشرة للأفراد والعائلات. ويشتمل المكون الرئيسي للإنفاق الجديد على مبلغ 250 مليار ريال تم تخصيصها لبناء 500,000 وحدة سكنية جديدة. ومن أجل تيسير مشقة الحصول على التمويل اللازم لشراء العقار على كثير من المواطنين فقد وفرت الحكومة 40 مليار ريال إضافية لصندوق التنمية العقاري، ورفعت سقف الاقتراض إلى 500,000 ريال، وخصصت مبلغ 15 مليار ريال للهيئة العامة للإسكان علاوة على ذلك وأقرت إنشاء وزارة جديدة للإسكان تتركز مهمتها في الإشراف على عمليات الإنشاء والتشييد الضخمة.
كذلك أقرت تلك الأوامر الملكية رفع دخل العاملين في القطاع الحكومي، حيث منحت جميع منسوبي الدولة مكافأة راتب شهرين، كما حولت بدل غلاء المعيشة البالغ 15 في المائة، الذي كانت قد منحته سابقا لموظفي الدولة ليصبح جزءا من الراتب الأساسي. وكي تعم الفائدة جميع فئات المجتمع فقد وضعت حدا أدنى لأجور العاملين في القطاع الحكومي، كما خصصت إعانة مالية للباحثين عن العمل. ورغم ضخامة التكلفة الكلية لهذه المبادرات، إلا أنني أعتقد أنه بالإمكان تغطيتها بسهولة، حيث أتوقع أن تحقق الميزانية هذا العام فائضا يفوق 95 مليار ريال على افتراض أن سعر النفط سيأتي عند مستوى 96 دولارا للبرميل في المتوسط. وحتى ولو تدنت أسعار النفط عن هذا المستوى، فإنه يمكن تمويل بنود الإنفاق هذه من خلال السحب من الاحتياطيات الضخمة التي تستثمرها الحكومة من خلال مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، حيث بلغ إجمالي هذه المدخرات 1,73 تريليون ريال بنهاية مارس مرتفعة عن قيمتها في نهاية فبراير بمبلغ 63 مليار ريال.
أما بالنسبة للناشطين في قطاع الاستثمار، ففي مقدورهم اغتنام فرصة هذا الإنفاق التحفيزي من خلال سوق الأسهم أو عبر الاستثمار المباشر في قطاعات الأعمال ذات الصلة بهذا الإنفاق. ورغم أن الاستثمار المباشر، سواء كان من خلال شركة قائمة أو تأسيس شركة جديدة، ينطوي على مخاطر أكبر بحيث يلائم أكثر من لديهم موارد مالية وخبرات كافية، إلا أن مجالاته أكثر تنوعا وعادة ما يكون المردود المادي من ورائه أكبر.
وإذا ما نظرنا إلى ضخامة حجم المشاريع المطلوب تنفيذها فإن الشركات القائمة ستواجه صعوبة في تنفيذ تلك المشاريع بمفردها؛ ما يؤدي إلى خلق فرص أمام شركات أخرى تعمل في مجالات التشييد والصناعة ذات الصلة. إن هذا الحجم غير المسبوق من أعمال البناء والتشييد الجديدة المتوقعة سيؤدي على الأرجح إلى خلق فرص كبيرة تشمل جميع أوجه النشاط بدءا من مرحلة تخطيط وتصميم المباني إلى مرحلة عمل التمديدات الكهربائية حتى أعمال السباكة. والشركات التي تقدم هذه الخدمات، خاصة ممن لديها تحالفات مع مقاولين أجانب يتمتعون بالخبرة في مجال تجهيز المساكن التي تناسب ذوي الدخل المحدود، ستجد نفسها في وضع جيد يتيح لها الحصول على فرص عمل جديدة.
ومن بين أبرز المستفيدين من برامج الإنفاق الحكومي الجديدة تلك الصناعات التي توفر المواد الرئيسية لقطاع البناء والتشييد مثل شركات الأنابيب والكابلات ووحدات تكييف الهواء والألواح الزجاجية، فضلا عن قطاع الأسمنت الذي ينتج السلعة التي تعتبر المادة الخام الأهم اللازمة لأعمال التشييد والأثاث. ورغم انخفاض أسعار الأسمنت بسبب الطاقة الإنتاجية الكبيرة، سواء من الشركات الجديدة أو نتيجة التوسعات في الشركات القائمة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن أعمال التشييد الضخمة ستؤدي في الغالب إلى ارتفاع هائل في حجم المبيعات، مع مراعاة أن جميع هذه الصناعات ممثلة بطريقة جيدة ومتوازنة في سوق الأسهم عدا جاذبيتها للاستثمار المباشر.
ومما لا شك فيه أن الأعمال الإنشائية الهائلة ستؤدي إلى ظهور الحاجة إلى كميات ضخمة من المواد الخام كالحديد مثلا. ويعتبر العمل في مجال توريد وتوفير تلك المواد الخام مجالا مربحا، لكن يتعين على المستثمر الحيطة من الانكشاف أمام تقلبات الأسعار العالمية لتلك المواد الخام، وذلك من خلال توقيع عقود طويلة الأجل بأسعار ثابتة أو باستخدام المشتقات المالية على سبيل المثال. وقد تضررت بعض الشركات في الماضي بسبب التغير في أسعار السلع بين عامي 2008 و2009 ولا تزال الأسعار تتذبذب فقد هبطت أسعار النحاس بنسبة 8 في المائة في الأسبوع المنتهي في 6 مايو. ونعتقد أن الحكومة ستستمر في مراقبة الأسواق عن قرب كي تتأكد من عدم لجوء الشركات إلى تخزين المواد الخام بهدف الكسب غير المشروع.
وخلافا لما قد يتبادر إلى الأذهان، فإن التوقعات بشأن شركات التطوير العقاري المدرجة ليست واعدة بنفس القدر، كما هو الحال بالنسبة لعدد من القطاعات الأخرى؛ وذلك لأن معظم هذه الشركات تركز على مشاريع بعينها، كالمدن الاقتصادية، أكثر من اهتمامها بمجال تشييد المساكن. وفي ضوء التسارع المتوقع في حجم النشاط من البرنامج الحكومي لتوفير المساكن، فإن شركات التطوير العقاري ستواجه احتمال ارتفاع تكلفة المواد الخام على المدى القريب، في حين ستتضرر من انخفاض أسعار المنازل بسبب المساكن الحكومية الجديدة على المدى المتوسط.
أيضا هناك فرصة أمام المستثمرين للاستفادة من الزيادة المتوقعة في الإنفاق الاستهلاكي، وبصفة خاصة إنفاق المواطنين من ذوي الدخل المحدود. ففي هذا الإطار، تسلم العاملون في الدولة مكافآتهم، وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن الكثير منها قد تم إنفاقه فعلا. علاوة على ذلك، فإن أثر تطبيق الحد الأدنى للأجور وإعانة الباحثين عن العمل والتوسع في مساعدات التأمينات الاجتماعية سيدوم لفترات أطول، حيث يتم دفع هذه المبالغ بصورة منتظمة. أيضا، سيؤدي برنامج تشييد المساكن إلى استقدام المزيد من العاملين الأجانب ممن لديهم متطلباتهم الخاصة بالمثل.
في الغالب ينفق محدودو الدخل جزءا كبيرا من مدخولاتهم مقارنة بذوي الدخل الأعلى؛ مما يعود بالفائدة على بائعي التجزئة ومنتجي بعض السلع مثل المواد الغذائية والملابس وبعض الأجهزة الكهربائية. ورغم أن هامش الربح في هذه المجالات عادة ما يكون صغيرا، لكنها تتميز بالقابلية لزيادة حجم المبيعات؛ لذا فإن الشركات التي تستطيع خفض التكاليف وتتوافر لديها سلسلة منافذ بيع قوية ستجد نفسها في وضع أفضل. ويتيح سوق الأسهم الفرصة للمستثمرين لتملك العديد من الشركات المناسبة في هذه القطاعات، بينما يوفر العدد الضخم من البقالات ومنافذ التجزئة الصغيرة وسيلة للاستثمار المباشر في السوق. ومن الخيارات المربحة إقامة سلسلة من المتاجر الصغيرة التي تتيح التوفير بتقليل التكلفة من خلال شراء البضائع بكميات ضخمة.
في الختام، لدي قناعة بأن مردود برامج الإنفاق التي تضمنتها الأوامر الملكية الكريمة لن يقتصر على تغيير حياة المواطن إلى الأفضل وتعزيز الاقتصاد فحسب وتوفير فرص عمل، بل سيتيح فرصا حقيقية للمستثمرين من الأفراد والشركات. ويمكن اغتنام الفرص العديدة التي سيخلقها هذا الإنفاق من خلال الاستثمار في قطاعات الأعمال المتنوعة ذات العلاقة في هذا الإنفاق أو من خلال الاستثمار في سوق الأسهم، خصوصا في الشركات التي ترتبط أنشطتها بطبيعة هذا الإنفاق الرأسمالي.

* العضو المنتدب والرئيس التنفيذي - شركة جدوى

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي