الرقابة والمحاسبة أساس الجودة

تضمنت الأوامر والقرارات الملكية الأخيرة مبالغ مالية ضخمة بلغت 110 مليارات ريال خصصت لتطوير وتسريع وتيرة وجودة مجمل الخدمات الأساسية من ناحية، ومن ناحية أخرى لدعم قدرات المواطن المعيشية بشكل مباشر وغير مباشر، وإذا أضفنا إليها مقدار مبالغ ميزانية هذا العام البالغة 580 مليار ريال، كأكبر ميزانية في تاريخ المملكة، فإن حصيلة ما تم توفيره لدفع عملية تطوير الأداء وتحسينه في عام واحد هو مبلغ مهول وكبير جدا 690 مليار ريال، ومثل هذا الحجم من الإنفاق غير المسبوق يمكن له إحداث نقلة نوعية وكمية في آن واحد بشرط توظيفه بقدرة أداء وإدارة وفق خطط ودراسات جاهزة لا تنتظر إلا وجود تمويل، وها هو التمويل توفر فهل أجهزتنا الحكومية بوضعها الحالي توجد لديها القدرة على استيعاب هذا الضخ الضخم من الدعم المالي وترجمته من أرقام إلى مشاريع خدمية وإنتاجية ملموسة على أرض الواقع خلال فترة زمنية معقولة..؟.
لو قسنا أداء بعض أجهزتنا الحكومية مع كل ميزانية حيث يتم مع نهاية كل سنة مالية إعادة جزء، مما وفر لها من اعتمادات لعدم صرفها فيما طلبت من أجله، فكيف سيكون الحال مع ما توفر لها في هذه الأوامر الملكية وقبلها ميزانية الدولة لهذا العام من كم كبير من التمويل ..؟، فهناك شك في استعدادها وقدرتها على استثمار هذه المبالغ الضخمة في مشاريع تطوير وتحديث لعدم وجود خطط ودراسات جاهزة لمشاريع خدمية وإنتاجية قادرة على تطوير وتسريع خدماتها بما رمى إليه من هذا الدعم السخي والكبير.
أتصور أن هذا الدعم المالي الضخم الذي قرره خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ في لفتة منه وجدت تقديرا واسعا، يتطلب إنفاقه في أوجهه الصحيحة والمثمرة إلى ورشة عمل تستنفر كل الطاقات والإمكانات والجهد لصرفه في مجالاته المستحقة من كل الأجهزة المعنية، ولضمان توجيهه الوجهة الصحيحة واستثماره فعلا في إحداث نقلة ملموسة خلال السنوات الخمس القادمة مع أداء متصاعد ومعلوم وملموس، لا بد من تفعيل آلية رقابية ومحاسبية هدفها ضمان التطبيق المنتج، والرقابة والمحاسبة كلما كانت منهجية وعلمية، كانت لها نتائج إيجابية من ناحية؛ أولا عدم ترك الفرصة لأي فساد مالي وإداري، وثانيا ضمان صرف مثل هذه الاعتمادات في مشاريع ذات مردود فعال، وأن يكون صرفها مقننا لا مجرد صرف بلا خطة ودراسة احتياجات آنية ومستقبلية، وأظن أن أهم ثلاث جهات عليها دور ومسؤولية ضمن ورشة العمل هذه إلى جانب الأجهزة الحكومية المكلفة بترجمة الإنفاق لمشاريع، كل حسب اختصاصها هي: ديوان المراقبة العامة المختص بمراقبة إيرادات الدولة ومصروفاتها، وهيئة الرقابة والتحقيق ومن ضمن صلاحياتها معاونة الجهات المختصة في متابعة تنفيذ خطط التنمية المعتمدة بهدف تقييم الإنجاز والأداء، وأخيرا مجلس الشورى بما يتوافر فيه من خبرة تخصصية وحيادية تامة هدفها تحقيق المصلحة العامة، فهذه الجهات الثلاث يمكن لها أن تفعل مهامها وتستنفر قدراتها بالمساهمة والمعاونة للأجهزة الحكومية المعنية لمتابعة الأداء، وأن تقوم بمسؤولياتها على الأقل بما تنص عليه أنظمتها وصلاحيتها وهي واسعة وكبيرة في مجالي المراقبة والمحاسبة.
نعود للقول إن ما تقرر صرفه في هذا العام كفيل بحل معظم مشكلاتنا وسد نواقصنا، وجزء مهم منها لا يعود لشح المال بقدر ما هو شح في الفكر الإداري ووضع خطط ودراسات ناجعة تحل مشاكلنا لا ترممها فقط، ولهذا كان لا بد من أن يصاحب هذا الدعم السخي عملية إشرافية ممنهجة لتقويم مستمر للأداء ومتابعة دقيقة للتنفيذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي