قرض وأمل في ديون مجموعة البرتغال

> لقد أصبحت مجموعة البلدان التي تتألف من البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا مثقلة بمستويات غير محتملة من الديون العامة والخاصة. والواقع أن العديد من البلدان الأشد تضرراً بهذه الأزمة ـــ البرتغال وإيرلندا واليونان ـــ شهدت ارتفاع تكاليف اقتراضها إلى مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة، حتى بعد أن أدت خسارتها للقدرة على الوصول إلى الأسواق إلى عمليات إنقاذ ممولة من جانب الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. فضلاً عن ذلك فإن تكاليف الاقتراض الإسبانية ترتفع بشكل مطرد.
من الواضح أن اليونان أصبحت مفلسة الآن. فحتى في ظل حزمة التقشف الصارمة، والتي تبلغ في مجموعها 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، من المتوقع أن يرتفع دينها العام إلى 160 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. أما البرتغال ــــ حيث ظل النمو راكداً طيلة عشرة أعوام ــــ فإنها تشهد خراباً مالياً بالحركة البطيئة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى إفلاس القطاع العام هناك. وفي إيرلندا وإسبانيا، لا بد أن يؤدي تحويل الخسائر الضخمة التي تكبدها النظام المصرفي إلى القوائم المالية للحكومة ـــ إلى جانب الدين العام المرتفع بالفعل ــــ إلى إفلاس سيادي في نهاية المطاف.
كان التوجه الرسمي المتمثل في الخطة (أ) يتلخص في التظاهر بأن الاقتصاد في هذه البلدان يعاني من أزمة سيولة، وليس مشكلة في القدرة على سداد الديون، وأن توفير قروض الإنقاذ ــــ إلى جانب التقشف المالي والإصلاحات البنيوية ــــ من الممكن أن يستعيد القدرة على تحمل الديون والوصول إلى الأسواق. والواقع أن هذا النهج محكوم عليه بالفشل، لأن أغلب الخيارات التي استخدمتها البلدان المدينة في الماضي لتخليص نفسها من الديون المفرطة لم تعد واردة الآن.
على سبيل المثال، الحل القديم المبجل المتمثل في طباعة المال والهروب من الدين من خلال التضخم لم يعد متاحاً أمام مجموعة البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا، لأنها واقعة في فخ منطقة اليورو. ذلك أن المؤسسة الوحيدة القادرة على تشغيل مطبعة الأموال ـــ البنك المركزي الأوروبي ــــ لن تلجأ أبداً إلى تسييل العجز المالي.
ولا يمكننا أن نتوقع نمواً سريعاً للناتج المحلي الإجمالي لإنقاذ هذه البلدان. والواقع أن أعباء ديون مجموعة البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا ثقيلة إلى الحد الذي يجعل من الأداء الاقتصادي القوي أمراً شبه مستحيل. فضلاً عن ذلك فإن أي نمو اقتصادي قد يتمكن أي من هذه البلدان أن يسجله في النهاية يتوقف على تطبيق إصلاحات لا تحظى بشعبية سياسية ولن تؤثر إلى في الأمد البعيد ــــ وعلى حساب المزيد من الآلام في الأمد القريب.
ولكي تستعيد هذه البلدان النمو فيتعين عليها أيضاً أن تستعيد قدرتها التنافسية من خلال خفض حقيقي لقيمة عملاتها، وبالتالي تحويل العجز التجاري إلى فائض. ولكن قيمة اليورو المستمرة في الارتفاع ـــ خاصة مع تدابير تشديد السياسة النقدية التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي مبكرا ـــ تعني ضمناً المزيد من الارتفاع الحقيقي في قيمة العملة، والمزيد من تقويض القدرة التنافسية.
لقد استغرق الحل الألماني لهذه المعضلة ـــ لإبقاء على نمو الأجور عند مستوى أدنى من نمو الإنتاجية، وبالتالي خفض تكاليف وحدة العمل ـــ أكثر من عقد من الزمان قبل أن يسفر عن نتائج. وإذا بدأت مجموعة البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا هذه العملية اليوم، فإن تحقق الفوائد سيأتي متأخراً إلى الحد الذي لن يفيد معه في استعادة القدرة التنافسية والنمو.
والخيار الأخير ــــ انكماش الأجور والأسعار ـــ لخفض التكاليف وتحقيق خفض حقيقي لقيمة العملة واستعادة القدرة التنافسية يرتبط بالركود المتزايد الحِدة. إن الخفض الحقيقي للقيمة، وهو أمر ضروري لاستعادة التوازن الخارجي، من شأنه أن يدفع القيمة الحقيقة لديون اليورو إلى الارتفاع، الأمر الذي يجعل استمراره أكثر صعوبة.
ومن الخيارات غير المتاحة أيضاً خفض الاستهلاك الخاص والعام من أجل تعزيز المدخرات الخاصة، وتنفيذ التقشف المالي بهدف خفض الديون الخاصة والعامة. فالقطاع الخاص قادر على خفض إنفاقه وادخار المزيد، ولكن هذا يستلزم تحمل تكاليف فورية تعرف بمسمى "مفارقة التوفير الكينزية": والتي تتلخص في انحدار الناتج الاقتصادي وارتفاع الديون كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشري دراسات حديثة أجريت بواسطة صندوق النقد الدولي وغير من المؤسسات العالمة إلى أن زيادة الضرائب، وخفض إعانات الدعم، وتقليص الإنفاق الحكومي ــــ حتى الإنفاق غير الفعّال ـــ من شأنه أن يخنق النمو في الأمد القريب، وأن يؤدي إلى تفاقم مشكلة الدين الأساسية.
وإذا لم يكن بوسع مجموعة البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا أن تلجأ إلى التضخم، أو النمو، أو خفض قيمة العملة، أو الادخار، للخروج من المشاكل التي تواجهها، فهذا يعني أن الخطة (أ) فشلت أو من المحتم أن تفشل. والبديل الوحيد يتخلص في التحول بسرعة إلى الخطة (ب) ـ عملية منظمة لإعادة هيكلة وخفض ديون الحكومات والأسر والبنوك في هذه البلدان.
ومن الممكن أن يحدث هذا بأكثر من طريقة. فمن الممكن تنفيذ عملية منظمة لإعادة جدولة الديون العامة لبلدان مجموعة البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا من دون خفض المبلغ الأصلي المستحق. وهذا يعني تمديد تواريخ استحقاق الديون وخفض أسعار الفائدة على الديون الجديدة إلى مستويات أدنى كثيراً من أسعار السوق الحالية غير المحتملة. وهذا الحل من شأنه أن يحد من خطر العدوى والخسائر المحتملة التي قد تتكبدها المؤسسات المالية إذا تم خفض قيمة الدين الأساسي.
ويتعين على صناع القرار السياسي أيضاً أن يفكروا في الابتكارات التي استخدمت لمساعدة البلدان النامية التي كانت مثقلة بالديون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ 20. على سبيل المثال، من الممكن تشجيع حاملي السندات على مبدلة السندات القائمة بسندات مرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أرباحاً مرتبطة بالنمو الاقتصادي في المستقبل. وهذه الأدوات تعمل في واقع الأمر على تحويل الدائنين إلى مساهمين في اقتصاد الدولة، الأمر الذي يؤهلهم للحصول على حصة من أرباحها في المستقبل وخفض أعباء ديونها مؤقتا. ويُعَد خفض القيمة الاسمية لقروض الرهن العقاري وتقديم الجانب الإيجابي ــــ في حالة ارتفاع أسعار المساكن في الأمد البعيد ـــ للبنوك الدائنة، وسيلة أخرى لتحويل ديون الرهن العقاري جزئياً إلى حقوق للمساهمين. ومن الممكن أيضاً خفض قيمة السندات المصرفية وتحويلها إلى أسهم، وهو ما من شأنه أن يجنبنا استحواذ الحكومة على البنوك وأن يمنع تعميم خسائر البنوك على الناس من إحداث أزمة ديون سيادية.
إن أوروبا في واقع الأمر غير قادرة على الاستمرار في إلقاء الأموال على المشاكل، ثم الأمل بأن يأتي الخلاص بمرور الوقت وبفضل النمو. فمن المستبعد إنقاذ صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي. ويتعين على الدائنين وحاملي السندات الذين أقرضوا الأموال في المقام الأول أن يتحملوا نصيبهم من الأعباء، من أجل البرتغال وإيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا، ومن أجل الاتحاد الأوروبي، ومن أجل صالحهم الشخصي في نهاية المطاف.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي