الطيران الداخلي في حاجة لمنقذ (2)
عرضت في الأسبوع الماضي مشكلتين من مشاكل ''الخطوط السعودية'' هما انخفاض أسعار التذاكر الداخلية، وزيادة أعداد موظفيها بالنسبة لكل مقعد. وأعرض اليوم مشكلتي الخدمات المجانية، وهيكل أسطولها.
كتب إلي الأستاذ سهل هاشم قائلا: إن إحدى المشاكل التي تواجه ''الخطوط السعودية'' دون سواها من الخطوط العالمية، أنها تتحمل أعباء تقديم خدمات مجانية لجهات وفئات في المجتمع لا تتحملها عادة شركات الطيران الأخرى، ومن ثم فإن هذه التكاليف ستكون عبئا على المؤسسة وعلى عملائها الذين سيتحملون تكاليف هذه الخدمات المجانية إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة في شكل تردي الخدمة وتعطل مصالح الناس عندما تسحب بعض الطائرات من خط الخدمة بشكل مفاجئ وتحول لخدمة خاصة.
ولا شك أن بقاء الشركة في السوق يقتضي رفع خدماتها إلى مستوى المنافسين في عصر احتد فيه تسابق شركات الطيران على تقديم أرقى الخدمات من أجل المحافظة على ولاء العملاء أو كسب عملاء إضافيين. ولن يتسنى لها ذلك دون وضع حد فاصل بين المهام الأصلية للخطوط السعودية القائمة على الاعتبارات التجارية من جهة، والمسؤوليات الأخرى التي لا تقوم على أساس تجاري من جهة أخرى. ويعتقد بعض الخبراء أن أغلب شركات الطيران الخليجية ما عدا ـــ القطرية والإماراتية ـــ تواجه خطر الخروج من السوق إذا لم ترتق لمستوى المنافسة الدولي السائد في صناعة الطيران. ولذلك يجب على الخطوط السعودية أن تسرع في حل مشاكلها ومنها هذه المشكلة. ولعل أفضل حل لهذه المشكلة ـــ وهو ما يفرضه العقل والمنطق ـــ هو تكوين شركتين منفصلتين لكل منها أسطولها الخاص بها. الشركة الأولى تقدم خدماتها للعامة وتعمل وفق الأسس التجارية، والأخرى تخصص للمهمات الخاصة.
أما مشكلة الخطوط السعودية الرابعة فتكمن في تشغيل طائرات غير ملائمة على الخطوط الداخلية كالطائرات العريضة: بوينج 747 أو 777 ومثيلاتها لمسافات قصيرة، كالمسافة بين الرياض وجدة أو بين الدمام وجدة. فهذه الطائرات مخصصة للرحلات الطويلة ولن تكون اقتصادية إلا إذا فرضت أسعارا أعلى من الأسعار الحالية. إن إنقاذ وضع الخطوط السعودية يتطلب إعطاء إدارتها كامل الحرية في اختيار الأسطول بناءً على اعتبارات اقتصادية. وسأعود لهذه النقطة في مقالة تالية.
والواقع أن ''الخطوط السعودية'' في حاجة إلى إعادة هيكلة أسطولها غير المناسب ليس فقط لاعتبارات تتعلق بسوقها الداخلي بل أيضا لاعتبارات تتعلق بسوقها الخارجي. فمع أن حقوق النقل الجوي ما زالت مستثناة من اتفاقية تحرير التجارة العالمية، إلا أن مصلحة الطيران المدني كانت قد بدأت قبل نحو خمس سنوات تطبيق برنامج زمني لإطلاق حريات النقل الجوي بين الدول العربية بناء على قرار اتخذه مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة. وحسب علمي فقد تم تطبيق اتفاقيتين لتحرير النقل الجوي بين المملكة وكل من مصر والمغرب، فضلا عن قيام المملكة قبلها بفتح الأجواء في مطار الملك فهد الدولي. إن هذه التطورات تفرض على ''الخطوط السعودية'' مزيدا من التحديات من أجل إعادة هيكلة أسطولها بناء على دراسة موضوعية تسند إلى فريق عمل استشاري متخصص بهدف اتخاذ القرارات المناسبة وتحديد أفضل البدائل التي تمكنها من مواجهة التحديات المستقبلية. الأسطول المناسب عامل مهم في نجاح عمليات شركات الطيران، وهذا بدوره يحدد قدرة الشركة على الدخول في تحالفات استراتيجية مع شركات الطيران الأخرى. وشركات الطيران تعلم أن الدخول في تحالفات مع شركات طيران أخرى يعد خياراً استراتيجياً يكمل جهودها التشغيلية والتسويقية، لما لهذه التحالفات من فوائد عديدة، كتخفيض بعض التكاليف، وتحقيق وجودها في وجهات ومدن جديدة لا تصل إليها حالياً، كما توفر للراكب خيارات أكبر في السفر طوال أيام الأسبوع.
وبناء على ما تقدم، فإنه ما لم يتم تحرير سوق الطيران وفتحه للمنافسة الوطنية (وكذلك الأجنبية لو بشكل مؤقت)، وما لم تتغير مبادئ العمل ومنهج الإدارة داخل ''الخطوط السعودية''، فستتفاقم أوضاعها وسيطول الزمن قبل أن نرى شبكات طيران داخلي متميزة ومتطورة. وسيكون هذا سببا في إعاقة نمو ورواج النشاطين الاقتصادي والاجتماعي، وسببا في خسارة استثمارات محتملة في صناعة الطيران لمصلحة دول مجاورة. إن تأخر اتخاذ القرارات الصحيحة عن وقتها الملائم لا يعني فقط الحكم على قطاع النقل بالتخلف، وإنما الحكم على مجمل الأنشطة الاقتصادية بالتعثر والانكماش، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى منح اقتصادنا مزيدا من المرونة والحيوية لتوليد قدر أكبر من الوظائف اللازمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الدارسين في الخارج الذين بدأت طلائع عودة بعضهم تلوح في الأفق.
مشاكل الطيران الداخلي تحتاج إلى قرارات سيادية مهمة حان وقتها. هذا الكم من المشاكل في حاجة إلى قرار قوي مثل قرار التصدي لمشكلة ازدحام ميناء جدة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. وللحديث صلة.