الاسترخاء وضياع الزمن
هناك من يقول إن الزمن الآن يجري بسرعة الصاروخ، وإن السنة تجري وكأنها شهر والشهر يجري وكأنه يوم، واليوم يجري وكأنه ساعة، الحقيقة أن الزمن لا يجري ولكن نحن الذين نجري، أجسادنا وعقولنا تلهث، قلوبنا تدق بسرعة.. نتصبب عرقا.. وكأننا نمارس لعبة المصارعة مع الحياة ظنا منا أنها لعبة لا تحتمل التوقف أو الهدوء. حقيقة لم نعد حتى نتقبل لحظات الانتظار البسيطة التي نواجهها في مكان ما نحصل من خلاله على سلعة أو خدمة. ولم نعد نتقبل أن يعوقنا أحد عن الجري، لم نعد نتقبل يوما يمر دون مكاسب مادية ملموسة، ولم نعد نتقبل أن يحقق الآخرون المكاسب ونحن نكتفي بمشاهدتهم، لم نعد نتقبل الحياة التقليدية، ولم نعد نتقبل السكون والثبات في المكان نفسه، نجري في كل مكان، في الشارع، في العمل، في المنزل، في السوق، في كل مكان هناك سباق دائر وليس له خط نهاية أو حتى استراحة لالتقاط الأنفاس.
عزيزي القارئ ما رأيك أن نتوقف الآن عن الجري، نخرج من السباق المحموم، نتخلى بصفة مؤقتة عن أحلامنا وأهدافنا، نرفع راية الاستسلام للهدوء والاسترخاء والسكينة. نسترخي الآن في هذه اللحظات، نجلس على مقعد ونرجع بظهورنا إلى الوراء، نطفئ الأنوار المبهرة، نتخلص من أجهزة الجوال المزعجة، نغلق التلفاز المستفز، نغلق الكتاب والجريدة، نترك حافظة نقودنا بعيدا، نغلق الأبواب والنوافذ، نغلق عيوننا، ننسى كل شيء، ننسى العمل، ننسى البنك، ننسى الأولاد، ننسى الجيران، ننسى الأصدقاء، ننسى الأعداء، ننسى الهموم، ننسى الماضي، ننسى الحاضر، نستبعد المستقبل، ننسى كل شيء، نأخذ نفسا عميقا وبطيئا، نأخذ نفسا آخر أكثر عمقا.. وبعده زفيرا بطيئا، نملأ رئتينا بالهواء، ثم نخرج الهواء من الفم ببطء أيضا، نكرر ذلك أكثر من مرة، لا نفكر في شيء، نتخيل أننا نسبح في الفضاء الجميل بعيدا عن التلوث، نستمع إلى أصوات خرير الماء الصافي، نشتم رائحة الزهور الجميلة، نفقد صلتنا بالعالم المادي رويدا رويدا، نسترخي ونسترخي ونسترخي.