مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة (6)

الحمد لله الذي علمنا ما لم نعلم، والصلاة والسلام على من أرشدنا إلى الطريق المستقيم، وبعد، تواصلا مع ما سبق أن كتبته في مقالاتي الخمسة السابقة في هذه الصحيفة (أسبوعيا) على التوالي، فإني أبدأ من حيث وصلت بالكلام عن المرتكزين (6 و7) من الوسائل بالبند (ثالثا) من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ويتضمن كل واحد منهما فقرات، ونتكلم عنها بالمناقشة والتحليل فيما يأتي:
(6 - تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية عن طريق ما يلي:
أ - التأكيد على مبدأ تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية، وبخاصة ذوو الدخل المحدود، وتوفير الخدمات الأساسية لهم).
لا شك أن تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية تُعد من أهم مقومات الحياة السعيدة المستقيمة الهادئة التي تُبعدهم عن الحاجة والفقر والعوز، التي قد تضطر بعضهم إلى ارتكاب جريمة من جرائم الفساد المتنوعة، وقد خُص بالتركيز على ذوي الدخل المحدود، فتحسين أوضاعهم في الجوانب المذكورة، وتوفير الخدمات الأساسية والضرورية لهم تحد - بلا شك - من ارتكاب جرائم الفساد، وتعزز كل مقومات الإصلاح والاستقامة والنزاهة في المجتمع.
(ب - إيجاد الفرص الوظيفية في ''القطاعين العام والخاص''، بما يتناسب مع الزيادة المطردة لعدد السكان والخريجين، والاهتمام بتأهيلهم طبقا لاحتياجات سوق العمل).
في هذه الفقرة حث واضح على أساليب تحسين الأوضاع الوظيفية، وذلك عن طريق إيجاد فرص التوظيف في القطاعين العام والخاص، ويعني ذلك التوظيف في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة، وفي الشركات والمؤسسات الخاصة، وذلك بما يتناسب ويتواءم مع الزيادة المطردة لعدد السكان والخريجين، وهذا - بطبيعة الحال - لا يتحقق إلا عن طريق الاهتمام بالتأهيل العلمي والتدريب العملي، وذلك طبقا لاحتياجات سوق العمل، فلا يكون التأهيل قاصرا على جوانب لا تفي بمتطلبات سوق العمل بمختلف تخصصاته المتنوعة؛ لأن هذا يحول دون عملية التوظيف، التي كثيرا ما تثار عند الدعوة لإيجاد فرص عمل لبعض المواطنين، خصوصا من قبل القطاع الخاص.
(ج - الحد من استقدام العنصر الأجنبي).
مشكلة استقدام العمالة الأجنبية تُعد من مسببات عدم توظيف المواطنين في القطاع الخاص؛ لأن أعداد العمالة الأجنبية تزيد على سبعة ملايين نسمة حسب الإحصائيات المتحفظة، وهذه الأعداد الكبيرة أوجدت بطالة غير حقيقية في مواجهة المواطنين الراغبين في العمل، ومناقشة هذه المشكلة، وأسبابها يطول ويتشعب؛ ولذا نجد أن ما نُص عليه في هذه الفقرة، هو العمل الجاد والحقيقي بالحد من استخدام العنصر الأجنبي من أجل التخفيف من المعاناة من هذه المشكلة العويصة التي لم تستطع الجهات المعنية معالجتها بجدية، ولهذا فالدعوة قاصرة على مجرد الحد من الاستقدام؛ لأن منع الاستقدام كليةً قد يضر بكثير من الناس.
(د - تحسين مستوى رواتب الموظفين والعاملين، وبخاصة المراتب الدنيا).
إضافة إلى ما تقدم من طرق لتحسين الوضع الوظيفي والأسري والمعيشي للمواطنين يؤكد في هذه الفقرة أمرا مهما، وهو العمل الجاد والصادق والنزيه على تحسين مستوى الرواتب والأجور للموظفين والعاملين، وبالذات الذين يشغلون المراتب الدنيا؛ كي يرتفع دخلهم، فلا يشتكون من العوز والفقر والحاجة بما يجعلهم يرتكبون جرائم الفساد متى سنحت الفرصة.
(7 - تعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي عن طريق ما يلي:
أ - عند الالتزام بمعاهدة أو اتفاقية يتوجب مراعاة السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يكون هناك دور فاعل للمملكة في صياغة بنود هذه المعاهدات والاتفاقيات، كما يتوجب مراعاة مستوى الالتزام والوضوح بين البلدان المتقدمة والنامية، والعمل على حسن اختيار المشاركين بحيث يكونون من ذوي الاختصاص).
في هذا المرتكز المهم، رُكز على ضوابط وقواعد من القانون الدولي الخاص والعام بشأن علاقات الدول بعضها ببعض بما يحول دون حصول جرائم الفساد، وهذا عن طريق التعاون العربي والإقليمي والدولي، وذلك في ست فقرات، أولها الفقرة (أ) التي رُكّز فيها على أنه عند الالتزام بمعاهدة أو اتفاقية، لا بد من مراعاة احترام السيادة الوطنية للدول المشاركة في المعاهدة أو الاتفاقية بحيث يتجنب انتهاك السيادة، والتدخل في شؤونها الداخلية، وهذا يتأتى من أن يكون للمملكة دور فاعل في صياغة مواد المعاهدات والاتفاقيات، مع مراعاة مستوى الالتزام والوضوح التام بين الدول المتقدمة والنامية بحيث يكون هناك توازن عادل ونزيه، وهذا بلا شك لا يمكن أن يتحقق إلا بحسن اختيار المشاركين في صياغة المعاهدات والاتفاقيات بحيث يكونون على مستوى جيد من ذوي الاختصاص العارفين بكل جوانب موضوع المعاهدة أو الاتفاقية محل البحث.
(ب - أهمية التنسيق بين الجهات المشاركة في المؤتمرات ذات العلاقة بموضوع مكافحة الفساد، والاستعداد والتحضير الجيد لتلك المشاركات، والعمل على وضع تصور للمملكة حيال الموضوعات المطروحة للنقاش؛ لأن قضية الفساد قضية عالمية تتعدى حدود كل دولة).
في هذه الفِقرة تم التركيز على أهمية التنسيق بين الجهات المشاركة في المؤتمرات التي تُعنى بموضوع مكافحة الفساد؛ وذلك لضرورة الاستعداد التام والتحضير الجيد لتلك المشاركات المهمة، بحيث يظهر جليا وضع تصور للمملكة حيال الموضوعات المطروحة للنقاش، والدراسة الدقيقة، وهذا أمر مهم وضروري، لكون قضية الفساد من القضايا التي تتعدى حدود كل دولة مشاركة في المؤتمر؛ مما يستوجب التنسيق التام بين الجهات المشاركة.
(ج - الاستفادة من خبرات الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد).
مما لا شك فيه أن الاستفادة من خبرات الدول الأخرى، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في غاية الأهمية؛ لأنها تعطي نتائج طيبة ومهمة، تساعد الدول على حماية النزاهة، ومكافحة جرائم الفساد؛ ولهذا كان النص على أهمية الاستفادة من الخبرات في المجالات المذكورة.
(د - متابعة المستجدات الدولية الحاصلة فيما يتعلق بجرائم الفساد والرشوة وأساليب التعرف عليها وسبل محاصرتها).
إن جرائم الفساد من أخطر الجرائم لما عُرف أن مرتكبيها يلجأون إلى طرق ووسائل متنوعة ومختلفة، تتسم بالسرية، ووسائل العنف في مواجهة رجال الأمن عند ملاحقتهم للضبط أثناء التلبس بارتكاب الجريمة، ولهذا كان لا بد من الحرص الشديد على متابعة المستجدات الدولية الحاصلة، فيما يتعلق بجرائم الفساد والرشوة للتعرف على أساليب ارتكابها، ووسائل التخفي، والسرية التي يلجأ إليها مرتكبوها، ومن ثم التعرف على سبل محاصرتها بكل الوسائل المنضبطة، والحيطة التامة من أخطار العنف التي يلجأ إليها المجرمون للإفلات من القبض عليهم.
(هـ - العمل على تحقيق المزيد من التعاون الفاعل، والمساعدة القانونية المتبادلة، وتبادل المعلومات والرأي والخبرات في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية والإسلامية والصديقة).
في خضم تنوع وتعدد جرائم الفساد، وانتشارها بشكل لافت للنظر ليس محليا، فحسب، بل عبر حدود الدول، كان لا بد من الحث على أهمية العمل الجاد والضروري على تحقيق المزيد من التعاون المستمر بين الدول المتجاورة في الحدود مثل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية والإسلامية، بل الصديقة من دول العالم، وهذا التعاون يشمل كل الوسائل والسبل التي تمكن من حماية النزاهة، التي بدورها تؤدي إلى محاربة الفساد بكل أنواعه، وقد ذكرت وسائل التعاون بالمساعدة القانونية المتبادلة لأهميتها، كذلك تبادل المعلومات المستجدة، فضلا عن الرأي والخبرات للاستفادة منها في الحماية للنزاهة، ومكافحة الفساد الذي يُعد ظاهرة عالمية تتعدى حدود الدول، كما نوه عن ذلك في اللقاءات والمؤتمرات الدولية.
(و - أن تقوم شعبة الترجمة الرسمية في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء المشكلة بقرار مجلس الوزراء رقم 134 وتاريخ 2/5/1422 هـ بإعطاء الأولوية لاعتماد ترجمة الأنظمة الخاصة بمكافحة الفساد المطبقة في المملكة إلى اللغات الأجنبية الحية، للاستفادة منها في المشاركات الخارجية الخاصة بمكافحة الفساد لإبراز موقف المملكة وجهودها في هذا المجال).
وهذه الفقرة الأخيرة من الوسائل توضح بجلاء أهمية ترجمة الأنظمة الخاصة بمكافحة الفساد، وتكليف الجهة المختصة بالترجمة الرسمية في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء، بالقيام بمهمة الترجمة إلى اللغات الحية، أي المعترف بها في مواثيق هيئة الأمم المتحدة، وإعطاء هذه الترجمة الأولوية باعتبار أهميتها كي تكون في متناول الدول، وممثليها للاستفادة منها في المشاركات الدولية الخارجية التي تُعقد لمناقشة أنظمة (قوانين) مكافحة الفساد، ووسائل التعاون الدولي في هذا المجال، وإبراز دور المملكة وجهودها، وأنها حريصة كل الحرص على مكافحة كل جرائم الفساد الضارة بالمجتمعات على اختلافها في نواح متعددة، لكن المهم أن الكل لا بد أن يكون لديه الحرص الشديد على التعاون الدولي المثمر والناجح الذي يحقق الغرض المنشود، وهو مكافحة جرائم الفساد.
ما تقدم نهاية حديثي عن الوسائل، وأرجو أن يكون ما أبديته مفيدا، وسيكون المقال السابع عن آليات التنفيذ، والله الموفق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي