على أوكرانيا منح ترمب الموارد التي يرغب بها

أوروبا عليها الكف عن الشكوى فهذا هو ثمن قصور إخفاقاتها في مجال الدفاع

ألمانيا ترى مسعى ترمب أنانياً إلا أنها تفكر في العودة إلى استيراد الغاز الروسي لتحقق مصالحها

مصلحة أوروبا في وقف الحرب أكبر لذا يتوجب عليها أن تنفق أكثر في دعم أوكرانيا

 

يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إنه يرغب ببعض موارد أوكرانيا لقاء استمرار المساعدات، وهو مطلب سارع نظيره الألماني أولاف شولتس لوصفه بأنه "أناني"، وربما كان ليضيف "غير لائق".إن كانت الولايات المتحدة ستستفيد مالياً من دعم دفاعات كييف، فلماذا لا تفعل ذلك عشرات الدول الأخرى التي تساعدها؟ إن حدث ذلك، فلن يبقى من تلك الأمة سوى هيكلها. ومع ذلك، يجب على أوروبا أن تكف عن الشكوى، وتسمح لترمب بالحصول على صفقته وتجنب الصراع المثير للانقسام على الأصول التي ستحتاجها أوكرانيا لإعادة الإعمار بعد أن تضع الحرب أوزارها. ينطبق هذا بشكل خاص على ألمانيا تحت إدارة شولتس. لكن دعونا نبدأ بأغلاط ترمب قبل أن نصل إلى سبب كون مطلبه ثمناً يجدر دفعه.


مغالطات وحقائق


وضع قائد أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي العام الماضي الموارد الطبيعية خصيصاً ضمن "خطة النصر" التي أطلقها، بغية استمالة ترمب الذي اشتهر بميوله للصفقات. لا تعيروا بالاً لحقيقة أن أوكرانيا ليست غنية بالمعادن النادرة التي تحدث عنها ترمب، فالرئيس الأمريكي رجل لا يهتم بالتفاصيل، إلا أن لديها وفرة من الليثيوم والمنغنيز والتيتانيوم واليورانيوم. كما كان ترمب مخطئاً في ادعاء أن الولايات المتحدة قدمت لأوكرانيا أكثر مما أعطتها أوروبا. بيّن معهد "كيل" للاقتصاد العالمي، الذي يتتبع عن كثب التعهدات وتسليم جميع المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية لكييف، أن أوروبا وعدت وقدمت أكثر بكثير من الولايات المتحدة، وذلك حسب تحديث حتى 31 أكتوبر. (ستكون الأرقام قد تغيرت منذئذ، ويزمع المعهد إصدار تحديث جديد هذا الشهر، لكن هذه النقطة الأساسية تبقى صحيحة). إن عدلنا هذه الأرقام وفقاً لحجم الاقتصادين -الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الآن أعلى بنحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي- فإن نسبة الكرم لا تزال في صالح أوروبا.

سيكون رائعاً في كثير من النواحي لو اهتم زعيم العالم الحر بالحقائق أو الحقيقة، لكن في هذه الحالة، لن يحدث ذلك فرقاً كبيراً، لأن ترمب محق عندما يقول إن أوروبا لديها مصلحة أكبر في كبح طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في توسيع سطوته في شرق أوكرانيا. كما أن للولايات المتحدة مصلحة قوية، لكن واقع الجغرافيا يعني أن وقف تقدم موسكو أهم لدى وارسو أو برلين منه لدى واشنطن. لذا، ينبغي لأوروبا أن تدفع وتفعل أكثر.


أنانية من الجانبين


كما يمكن لترمب أن يشير إلى أن ألمانيا لا تترفع عن إعطاء الأولوية لمصالح اقتصادية "أنانية". لقد نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" الأسبوع الماضي أن ثمة حواراً في أوروبا عمّا إذا كان ينبغي تقديم استئناف التجارة في الغاز الطبيعي الروسي عبر الأنابيب كجزء من مقايضة في اتفاق لوقف إطلاق النار، وقد قيل إن ألمانيا والمجر تؤيدان هذا. لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئاً. فإن بوتين هو من عطل تسليم الغاز عبر الأنابيب رداً على عقوبات الاتحاد الأوروبي، وليس العكس. توقع بوتين أن تؤدي صدمة العرض إلى ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة في أوروبا، وقد حصل هذا محدثاً فوضى في نموذج الأعمال في ألمانيا.

لكن هذه الخطوة كانت أيضاً هزيمة ذاتية، فلم تتمكن شركة "غازبروم" الروسية من تحويل غازها إلى أسواق تصدير جديدة بسبب قصور البنية الأساسية، واضطرت أن تبيع بخسارة للمستهلكين المحليين المستفيدين من الدعم. يتعين على الشركة الآن خدمة أكثر من 70 مليار دولار من الديون المتراكمة، ولديها ربح أقل، ما يعني ضرائب أقل تجنيها الدولة لتنفق على حرب أوكرانيا. لذا، على عكس خطة ترمب المشينة، التي من شأنها أن تعزز الأهداف الأمنية لأوكرانيا وحلفائها، إن شراء مزيد من الغاز الروسي قبل التوصل إلى تسوية سياسية كاملة من شأنه أن يقوض هذه الأهداف، لأنه سيخفف ضغوط إنهاء الحرب على بوتين.


ديون أم معونات؟


إن إلزام الحلفاء بدفع ثمن للمساعدات الدفاعية قديم قدم الحرب. حتى قانون الإقراض والتأجير الأمريكي لعام 1941، الذي أعطى بريطانيا والاتحاد السوفييتي الأموال والأسلحة للاستمرار في قتال ألمانيا النازية، كان عبارة عن قروض يتوجب سدادها مع فوائدها. ولم تسدد المملكة المتحدة قسطها الأخير حتى 2006. واضح أيضاً أن الموارد تشكل جزءاً من هذه الحرب. وسواء كانت هذه الموارد معدنية أو زراعية أو أحفورية أو بشرية، فإن بوتين يريدها. أما عن مقدار الموارد التي قد تكون أوكرانيا قادرة على تقديمها للولايات المتحدة بعد الحرب، فهو غير واضح. تقول الجمعية الأوكرانية للجيولوجيين إن البلاد تملك 5% من احتياطيات المعادن في العالم، وهي نسبة كبيرة.

لكن في ما وراء ذلك تتعقد الأمور. لدى أوكرانيا 4 مكامن ليثيوم معروفة لم يبدأ التعدين في أي منها بعد، ومنها واحد على الأقل في الأراضي الخاضعة لسيطرة روسيا. كما لديها أكبر احتياطيات معروفة من المنغنيز في العالم، وهو مكون مهم لصناعة الطلاء. لكن أكبر حقوله، الممتد بين الشاطئ الشرقي لنهر دنيبرو باتجاه بحر آزوف، يمر عبره خط الجبهة. كما يقع مصنع "نيكوبول فيروألوي"، وهو أحد أكبر منتجي المنغنيز، قرب الجانب الأوكراني من نهر دنيبرو، وقد تعرض لقصف من الضفة المقابلة. كما تُعد أوكرانيا مصدراً كبيراً للتيتانيوم، وفيها أكبر مكامنه الأوروبية، وبلغ إنتاجها قبل الحرب نحو 7% من الإنتاج العالمي. لكن في العام الماضي بيعت إحدى شركات الإنتاج الحكومية إلى وحدة تابعة لشركة "نيكسول" (Neqsol) الأذربيجانية. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن أوكرانيا تنتج أيضاً نحو 2% من إجمالي إنتاج اليورانيوم العالمي.


ثمن التقاعس


لقد لعب زيلينسكي أفضل أوراقه في ظل هذه الظروف العصيبة.

خلاصة القول، لو أن أوروبا أعادت بناء قدراتها الدفاعية فيما كان يتبين أن التاريخ لم ينته مع الحرب الباردة، لما كان عليه أن يعرض الموارد للبيع لإغراء الولايات المتحدة بالعودة. بدلاً من ذلك، كان بإمكانه الاعتماد على أوروبا لسد الفجوة. لا يزال مقدار الدعم الذي قد يكون ترمب على استعداد لتقديمه وفي مقابل أي موارد غير واضح، كما هي حال كثير من بنود باكورة سياساته الخارجية. لكن صفقة ترمب هي الثمن الذي يجب أن تدفعه أوكرانيا لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة، وهو الثمن الذي يجب على أوروبا أن تقبله كتكلفة لاستمرار اتكالها على القوة العسكرية الأمريكية.


خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي