المشاريع وتوطين التنمية وفرص العمل
يعتبر إيجاد فرص عمل للمواطنين من أهم الأولويات التي تحرص عليها الدول، وتعتبر مقياسا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكثير من الدول المتقدمة يضع مؤشرات للبطالة تتم من خلالها قراءة الأثر الاقتصادي والاجتماعي في ضوء نسبة البطالة وارتفاعها وانخفاضها، ويعمل عديد من الدول من أجل توطين مختلف الاستثمارات القادرة على إيجاد فرص عمل للمواطنين، وفي الوقت نفسه تعمل على تدريب أبنائها من الجنسين حتى يتحقق لها الاستفادة من الكوادر المؤهلة لأداء تلك الأعمال.
ويعتبر التحدي الحقيقي الذي يواجه العاملين على توطين المواطنين وإيجاد فرص عمل لهم في القطاع الخاص على أساس أن القطاع الخاص يتطلب مؤهلات وإمكانات والتزامات قد لا تطالب بها القطاعات الأخرى، وعلى رأسها القطاع الحكومي، ما يتطلب مناهج وأساليب تدريبية وإدارية مختلفة، ويبقى التحدي الأكبر هو قدرة العمل الجماعي المتكامل بين مختلف قطاعات الدولة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي التنموي القادر على إيجاد فرص العمل الحقيقية للمواطن وفقاً لإمكاناته وقدراته وتعليمه وتأهيله، وتطوير الأنظمة التي تحقق ذلك دون استخدام السلطة الحكومية الفارضة على بقية القطاعات للالتزام بتوظيف المواطنين دون تأهيل يتناسب مع متطلبات العمل. وفي هذا السياق يجب الالتفات إلى المشاريع العملاقة التي يتم تنفيذها حالياً في المملكة، تلك المشاريع التي تحمل الخير الكثير إذا استوعبنا كيفية استثمارها الاستثمار الأمثل، ومن ذلك - على سبيل المثال - مشاريع التحلية والطاقة والنقل وسكك الحديد والإنشاءات والجامعات وغيرها كثير.
إن فكرة الانتقال بمشاريعنا من مشاريع جامدة عبارة عن خرسانات وحديد وشيء من ذلك إلى مشاريع حية وديناميكية قادرة على توطين فرص العمل من خلال توطين مشاريع صغيرة تعتمد على دعم المشاريع العملاقة وصناعتها، وتكون هذه المشاريع الصغيرة عبارة عن إنتاج قطع غيار أو أجزاء منها، بحيث يتم إنشاء عديد من المشاريع الصغيرة (شركات صغيرة) تساعد على إيجاد فرص عمل حقيقية للمواطنين، وفي الوقت نفسه يمكن إدارتها وتطويرها بكفاءات أقل وجهد أقل، وهي التجربة التي يعتمد عليها كثير من الدول المتقدمة، كما أن استثمار واستغلال فرصة إنشاء المشاريع العملاقة في المملكة سيساعد على إعطاء الفرصة للآلاف من الشباب السعودي للعمل في تلك المشاريع واستقطاب الخبرات من خلال العمل مع الخبراء والفنيين غير السعوديين واكتساب الخبرات منهم، وهذه المشاريع العملاقة لتحقق ذلك يجب أن يكون واضحا وصريحا في عقودها أهمية نقل الخبرة للشباب السعودي، وليس فقط البناء والمغادرة، لأننا بنقل الخبرة نضمن - بإذن الله سبحانه وتعالى - استمرار تنفيذ مثل هذه المشاريع في المستقبل من خلال الكفاءات السعودية، وأيضاً نضمن حسن واستمرار صيانتها، وبهذا نحقق هدفين أو أكثر من خلال مشاريعنا الإنشائية أو الاستثمارية بما يعود بالنفع على الجميع ''الإنسان والأرض''، ونحقق من خلال ترجمة مشاريعنا إلى مشاريع حية وديناميكية حسن التنفيذ وكفاءة التدريب والتأهيل للشباب السعودي الطموح والقادر - بإذن الله سبحانه وتعالى - على تحدي الصعاب مهما كانت متى ما أعطي الفرصة ومنح التأهيل، وخير مثال على ذلك ما رأيناه من إنجازات عظيمة حققها شباب المملكة في مجالات عديدة عندما أعطي الثقة والفرصة والتأهيل، ومنها التميز في الاختراعات والعمل التطوعي.
إن المرحلة التنموية التي نعيشها اليوم في المملكة من خلال تنفيذ عديد من المشاريع العملاقة في مختلف المناطق والمدن، وما تم ويتم اعتماده من مليارات الريالات لتلك المشاريع، يجعل حسن استغلالها واستثمارها لتوطين التنمية وإيجاد فرص العمل للمواطنين السعوديين أولوية قصوى يجب عدم التأخر في استغلالها واستثمارها، لأننا نعرف جميعاً أن دورة الاقتصاد تتغير من السمان للعجاف - لا قدر الله - لكن حسن استغلال السمان سيساعد في أيام العجاف، وبذلك نحقق توازناً تنموياً إنسانياً ومكانياً يحقق لنا ما تصبو وتطمح إليه قيادة المملكة من الانتقال بالمجتمع السعودي إلى مصاف الدول المتقدمة المنتجة وليست المستهلكة، وأيضاً القادرة على تصدير الكفاءات السعودية المدربة لمختلف دول العالم في المجالات التي تتميز فيها المملكة، وعلى رأسها البترول والتحلية والطاقة والتشييد وغيرها كثير.
إن مفهوم استثمار واستغلال المشاريع التي يجري تنفيذها في المملكة بمليارات الريالات وجعلها مشاريع موطنة لمشاريع وصناعات أصغر ودعمها ورعايتها من خلال حاضنات الأعمال والمشاريع، وجعل تلك المشاريع والصناعات الصغيرة قادرة على إيجاد فرص عمل لآلاف الشباب السعودي من الجنسين وبما يتفق والرؤية التنموية التي تأسست عليها أنظمة وسياسة المملكة وتحقيق اكتساب الشباب مهارات من خلال العمل في تلك المشاريع أولاً، ثم إنشاء مشاريع خاصة بهم في مختلف المحافظات والمدن والقرى بما يحقق عدالة انتشار التنمية وتحقيق توازنها واستدامتها ويحد من الهجرة العالية للمدن الرئيسية، التي نعيش اليوم بعضا من آثارها السلبية.
الحكومة يجب أن تلعب الدور الرئيس في تحقيق توطين التنمية وإيجاد المشاريع والمصانع الصغيرة التي تساعد على إيجاد فرص العمل، وعندما تنجح الحكومة في ذلك وتساعد على إيجاد فرص العمل يمكن أن تلتفت إلى القطاع الخاص وتقضي من خلال تأهيل وتدريب الشباب في مشاريعها الحكومية على المعوقات التي يذكرها ويشتكي منها هذا القطاع، وهي كثيرة، ولعل أهمها الالتزام والإنجاز والانضباط في العمل، كما آمل أن يكون القطاع الإعلامي الداعم لهذا الفكر العملي في توطين فرص العمل وتحقيق مفهوم السعودة من خلال النظرة المتوازنة بين متطلباته.
وقفة تأمل
''الزاهد هو من لا يملكه شيء، وليس الزاهد من لا يملك شيئا ويكون عالة على الآخرين''.