أثينا والتاريخ
تمر اليونان حاليا بواحد من أصعب الأوقات خلال القرن الحادي والعشرين. فالبلاد مهددة بإعلان إفلاسها وخصخصة مؤسساتها الحكومية والكثير من البنى التحتية. ويقول جيناس باستيان المحلل في المؤسسة اليونانية للسياسة الخارجية والأوروبية إحدى المنظمات المعارضة "إن دولة مثل اليونان تقوم عقليتها علي الالتفاف حول القوانين والتهرب من الضرائب واقتصاد الأبواب الخلفية والفساد الذي اخترق كل مناحي الحياة لا بد أن يكون هذا مصيرها ولكي يتم إصلاح كل هذا فهناك عمل شاق يجب القيام به". وقد يكون مفيدا لليونانيين لو يراجعون من جديد تعاليم سولون الذي حكم أثينا قبل 2860 عاما. طبق سولون مجموعة من الإصلاحات السياسية في 594 قبل الميلاد، وهذا ما يتباهى به من خلال قصائده بأنه أزال حجارة الرهونات من قطع أراضي المدينين، وأعاد الناس الذين بيعوا للعمل في الخارج أو فروا إلى بلدان أخرى بسبب ديونهم. وحتى يضمن عدم تكرار تحويل الأثينيين الأحرار إلى عبيد، شرع قانونا يسقط به القروض ويلغي التعامل بالفوائد، ومنع التزامات الدين التي كان شخص المدين بالذات ضمانتها وكفالتها، حيث كان من يعجز عن تسديد الديون ذات الفوائد الباهظة، يصبح عبدا لدائنه، ويعمل في مزارعه، ويباع في سوق العبيد. الأمر الذي أدى إلى تمركز الثروات بيد النخبة في المجتمع، ووسع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء.
ثم أقر حدا أقصى للملكية العقارية التي كان من الممكن أن يملكها كل شخص للحد بعض الشيء من طمع النبلاء في أراضي الفلاحين. وقام أيضًا بتعديل النظم المالية. وكان التعديل الوحيد الذي أدخله سولون في تجارة أثينا الخارجية هو إصدار قانون يمنع تصدير الحبوب. قسم سولون المجتمع إلى طبقات أربع بحسب ملكياتهم العقارية و طور هنا عنصرا جديدا، في نظام الحكم هو الملكية الخاصة وبذلك أصبحت حقوق مواطني الدولة وواجباتهم، تقاس حسب كبر ملكيتهم العقارية. وبقدر ما كان يتعاظم نفوذ الطبقات المالكة كانت الاتحادات القديمة القائمة على زعامة الدم تزاح. ومني النظام العشائري السائد بهزيمة مدوية.
وغدا الناس في الثمانين سنة التي تلت حكمه أكثر تمدنا وتحضرا، كما استغنوا عن استثمار مواطنيهم، وشرعوا يركزون على استخدام العبيد والناس الغرباء ممن يشترون البضائع من خارج أثينا. لكن فترة الازدهار التي مرت بها البلاد لاحقا، قد حملت بين طياتها الكثير من عوامل الدمار التي لم يتم الالتفات إليها إلا بعد فوات الأوان. فقد وصف المؤرخون أن مجمل عدد المواطنين الأحرار بمن فيهم النساء والأطفال كان نحو 90 ألف شخص، بينما كان عدد العبيد ذكورا وإناثا يتجاوز 360 ألفا، وعدد الغرباء والوافدين فوق 45 ألفا. وهكذا كان يوجد مقابل كل مواطن راشد من الذكور 18 عبدا على الأقل وأكثر من اثنين من الوافدين وسبب هذا العدد الكبير من العبيد أنهم كانوا يشتغلون في( المانيفاكتورات) أو المشاغل الكبيرة تحت إشراف مراقبين. لكن تطور الصناعة والتجارة أفضى إلى تراكم و تمركز الثروات في قلة من الأيدي الذي قابلته زيادة في فقر سواد المواطنين الأحرار الذين لم يبق لهم إلا الاختيار بين سبيلين إما أن ينافسوا عمل العبيد لانصرافهم إلى ممارسة الحرف، وهو الأمر الذي كان يعتبر مشينا ومذلا، أو يتحولوا إلى فقراء وهذا النمط المختل من الهيكلة الاقتصادية أدى إلى هلاك الدولة الأثينية.