استعادة التكاليف

تتبنى نصائح المؤسسات الدولية أجندة واحدة يتم تطبيقها على كل البلدان بغض النظر عن قابلية تلك البلدان اقتصاديا واجتماعيا. ومن بين تلك التعليمات المعلبة ما يطلق عليه سياسة استعادة التكاليف في بلدين صغيرين مثل تيمور الشرقية ومالاوي.
كانت تيمور الشرقية مستعمرة برتغالية حتى عام 1974 ثم ألحقها سوهارتو بإندونيسيا وحصلت على استقلالها في أيار (مايو) 2002 وتبعد 800 كيلومتر عن السواحل الأسترالية. يعيش خمس السكان بأقل من 55 سنتا في اليوم وثلاثة أرباع السكان ليس لديهم كهرباء ونصفهم لا تتوافر لهم مياه الشرب. اقتصادها فقير جدا قليل التنوع لا صناعة فيه، وأكثر من 75 في المائة من السكان ريفيون، وعدا البن المكرس للتصدير يتوجه الإنتاج الزراعي الأساسي لتلبية حاجة الطلب الداخلي. لكن يوجد في عرض البحر في المكان الذي تتقاطع فيه المياه الإقليمية الأسترالية والتيمورية احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، لكن وقوع البلاد تحت حكم سوهارتو أعطى محاباة لحصة أستراليا وأعطاها أكبر حصة من تقسيم الكعكة على حساب البلد الصغير.
ولدت الدولة الجديدة دون ديون واتخذت الحكومة قراراً برفض الاقتراض وكانت لا تقبل إلا الهبات من المجتمع الدولي لإعادة بناء البلاد وفرض البنك الدولي نفسه بوصفه المؤسسة التي تنسق معظم الهبات القادمة من أنحاء العالم. لكن ما كان يصل من الهبات إلى داخل البلاد كان بين 10 و20 في المائة فقط والباقي ينفق على شكل رواتب للخبراء الأجانب الذين تمثل رواتبهم نحو 30 في المائة من حجم المساعدات، وتقتطع المؤسسة الدولية نحو 2 في المائة من كل هبة تديرها، والتفاوت في الأجور لافت بشكل خاص، إذ يتلقى الخبير 500 دولار يوميا تضاف إليها نفقات إقامته بالكامل، في حين يتلقى العامل التيموري في المتوسط من ثلاثة إلى خمسة دولارات يوميا، وكانت ممثلة البنك الدولي حينها تكسب 15 ألف دولار شهريا فيما يعارض زميلها من صندوق النقد تبني البرلمان قانونا يعين الحد الأدنى للأجور، معتبرا أن ثلاثة دولارات يوميا أجر مرتفع جدا.
يستفيد البنك الدولي من وظيفته كوسيط لنيل موافقة السلطات الجديدة على تطبيق سياسات الانفتاح مثل التخلي عن الحواجز الجمركية مما سهل دخول المزروعات الأجنبية وأثر في أسعار المزروعات المحلية وخصوصا الأرز.
أيضا نصح البنك الحكومة الوليدة بأن تنتهج سياسة استعادة التكاليف عبر فرض رسوم مرتفعة في التعليم الثانوي والجامعي وفرض رسوم على الخدمات الصحية التي كانت مدعومة سابقا، وأيضا اللجوء إلى خصخصة قطاع الكهرباء ووضع عدادات كهربائية مسبقة الدفع.
فنظام استعادة التكاليف طبق أيضا في 1999 في ملاوي من قبل الصندوق الدولي على وكالة مخزونات الحبوب في البلاد التي تدير الاحتياطيات الغذائية. وأكرهت ملاوي ذات الـ 11 مليون نسمة، على تطبيق الخصخصة على الوكالة الزراعية في الوقت الذي كانت فيه أسعار الذرة شديدة الانخفاض، ما أدى إلى خسارة كبيرة واستخدمت الأموال السائلة في سداد القروض التجارية ولم يستفد منها الاقتصاد الوطني. أثر بيع الذرة على الاحتياطي الغذائي للبلاد مما أجبر الحكومة على طلب مساعدة غذائية واقتراض 30 مليون دولار لتمويل شراء 130 ألف طن من الذرة في الوقت الذي عاودت الأسعار فيه الارتفاع. وبقي هناك إصرار من صندوق النقد على اعتبار الوكالة الوطنية للمخزونات الغذائية استنزافا للميزانية وينبغي تخفيض النفقات لتحرير هوامش كافية لخدمة الديون. ورغم أن البلاد، مرت عليها سابقا سنوات جفاف فإنها لم تصل أبدا إلى حدود المجاعة إلا بعد تخصيص الوكالة الحكومية وتقليص دورها في دعم البلد بالاحتياطات الغذائية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي