شخصية المدرب القوية من أسرار النجاح
في بداية الأمر دعونا نتعرف على معنى الشخصية، وبما أن العلماء اختلفوا في تعريف الشخصية وظهرت تعريفات كثيرة ومختلفة التركيب فإننا نختار الأنسب والأقرب إلى الفهم، وهو أن الشخصية تعني: (مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تظهر في العلاقات الاجتماعية لفرد بعينه وتميزه عن غيره)، ومن هنا يظهر لنا أن الشخصية تتكون من عدة صفات بل هي في الحقيقة مجموعة الصفات المكونة للإنسان من النواحي النفسية، وأصبح في عالمنا الذي يتدحرج إلى أعلى لانفلات عدد كبير من المفاهيم والمثل التي أصبحت بلا معنى، مما جعل الإنسان يعيش غريباً معزولاً عن ذاته بحكم الماديات التي تسيطر في الواقع على معظم مظاهر الحياة، وحيث إن خلاص الإنسانية الأكبر لن يكون إلا بالنمو الروحي والعقلي للإنسان، وتحسين ذاته وإدارتها على نحو أفضل، وليس في تنمية الموارد المحدودة المهددة بالانقراض بل في تنمية الشخصية الذي لا يحتاج إلى إمكانيات مادية ولا فكرية، وإنما الحاجة تكمن في الإرادة الصلبة والعزيمة القوية، وهي شرط لكل تغيير والمهم في التغيير هو القناعة بضرورة التغيير لأن المرء حين يتطلع إلى التفوق على ذاته والتغلب على الصعاب من أمامه سيجد أن إمكانات التحسين أمامه مفتوحة مهما كانت ظروفه، بل هي شرط لكل ثبات واستقامة، والرياضيون أو لاعبو كرة القدم بالتحديد هم خير مثال يجسد إرادة الاستمرار، فهم يتدربون تدريبات قد تكون في كثير من الأحيان تدريبات قاسية مؤلمة لاكتساب اللياقة والقوة والمرونة في عضلاته، ومن ثم حرمان أنفسهم من متع الحياة والتقيد بأنظمة صارمة في الغذاء والنوم، بجانب الابتعاد عن الأهل والأصحاب لأيام بل ربما لشهور في معسكرات التدريب لاكتساب المزيد من الإعداد البدني والفني الجيد الذي يؤهلهم لأداء المباريات التنافسية، وفي ذلك يتحملون أذى نفسيا وبدنيا كبيرا من جراء الشد العصبي والنفسي الذي يصاحب قسوة التدريبات وشدة المباريات التنافسية، وخاصة في حالات الخسارة، وهكذا فإن تنمية الشخصية ما هي إلا استمرار في اكتساب عادات جديدة حميدة وإصلاح الذات حتى يأتي النصر وتحقيق الإنجاز.
وعلى مر العصور والتي تطورت عبرها مكونات لعبة كرة القدم بشكل هائل ومذهل، وحدثت قفزات نوعية على الجوانب البدنية والفنية والنفسية والإدارية، مما جعل من كرة القدم علماً قائماً بذاته، وهذا التطور الذي حدث في كل جوانب العمل في هذه المنظومة أصبح من الضروري جداً وجود مدربين ذوي كفاءات عالية وشخصيات مؤثرة حتى تواكب هذا التطور والحصول على نتائج أكثر إيجابية وأكثر تأثيراً لأن التدريب هو فن بحد ذاته وموهبة عند البعض، ومهما كانت الموهبة فهي تحتاج إلى دراسة وصقل وممارسة، وفن التدريب الذي أصبح علماً قائماً بذاته يحتاج أيضاً إلى المدرب المؤهل والمثقف والراغب في التطور ليس فقط في مجاله ولكن في المجالات الأخرى التي أصبحت ضرورية بل أصبحت جزءاً مهما من أجزاء علم التدريب.. والمدرب الناجح يجب أن يتصف بمواصفات وخصائص ثقافية وتعليمية وإنسانية ونفسية كثيرة تعكس حساسية دوره في أداء رسالته، وتتركز هذه الخصائص في رغبته في التعليم والتعلم التي تمثل الرغبة الصادقة في العطاء بلا حدود، والابتكار والبحث عن طرق وأساليب جديدة من أجل تطوير صيغة التدريب؛ وذلك بالانفتاح على كل ما هو جديد وتحصيل كل ما هو جديد في عالم التدريب بالدراسة والاطلاع؛ وهذا يعد أحد المكونات المهمة لشخصية المدرب، وهناك عدد كبير من المدربين العرب يعتمدون على خبرتهم الشخصية، والخبرة الشخصية مهمة أيضاً، ولا يمكن للمدرب تحقيق النجاح الكامل في أداء رسالته ما لم يكن له خبرة شخصية تجعله يلم إلماماً عميقاً بكل المراحل التي يمر بها المتدربون فضلا عن خبرته بقدراتهم وإمكانياتهم وتقييم مواهبهم وتحديد أساليب تحسينها وتطويرها، ولكنها وحدها لا تكفي لأن الحساسية نحو الحاجات الفردية في اكتشاف الصفات الجيدة في كل مجال واستعمالها وتطويرها تحتاج إلى دراسة وعلم، فالمدرب الناجح هو من لديه خطة عامة لعمله، بجانب خطط فرعية له وفقا لتفهمه لقدرات المتدربين وإمكانياتهم، وأن تكون لديه الشخصية الاعتبارية التي تؤهله لإحداث التغيير والتطوير فيهم.
ولكل مدرب سمات شخصية خاصة به، ومن الضروري أن يتحلى المدرب بهذه السمات ويغير أو يحسن في بعض منها ويغير التي تحتاج لتغيير وتحسين وبصورة تجعله يحافظ على توازنه، وأن يصمد أمام رياح التغيير العاتية؟ ويعرف أسرار كيفية التفوق على الآخرين قولاً وعملاً؟ حيث في أقواله التي يظهر من خلالها الحكمة والعقلانية، وفي أفعاله التي يرتاح لها الجميع وتحقق الأهداف المرجوة.. أن اتساق مثل هذه الشخصية يعني التصرف في مختلف المواقف.. السعيدة والحزينة.. وفي أوقات الراحة والتعب وعند تواجد الضغوط.. وفي التدريب أو أوقات المباريات... إلخ، ويكون في وضعية تدعوه للتأمل والوقوف عندما تشتد قسوة الحياة وتصبح في بعض الأحايين صعبة، ولكن رغم صعوبتها يستطيع بعض المدربين التوافق مع هذه الصعوبة فيظهرون بشكل متسق ينبئ عن وجود شخصية قوية متماسكة، بينما ينهار البعض الآخر أمام تلك الصعوبات أو يشعرون بعدم وجود فكر وعقل يسوق تصرفاتهم، لأن المدرب بذلك يصبح قادراً على التواصل وإنشاء ألفة مع المتدربين، حيث تكون نفوسهم مهيأة لتقبل المادة العلمية التدريبية إن كانت نظرية أو عملية.
ومن أهم السمات التي تميز المدرب صاحب الشخصية هو الإنصات الجيد بكل رحابة صدر لأنه بذلك يتيح للمتدربين الفرصة في التعبير عما يجيش بداخلهم بل يزيد من معيار الثقة بينه وبينهم، فالمدرب هو أقرب شخص للاعب، ويجب أن يكون ملماً بكل الظروف الخاصة والعامة للمتدرب والتعامل في حل المشكلات التي تطرأ عليه، وأن يكون واقعياً في تعامله وفي تدريبه، وتنعكس شخصية المدرب ويزداد تأثيرها في لحظات الحوار مع المتدربين، فعدد من المدربين العرب يعتقدون أن الصراخ والشدة في كل الأوقات هي من سمات المدرب الناجح، ولكن ذلك خطأ، فالصراخ يضعف الشخصية والشدة لها أوقاتها وإيصال المعلومة أو التوجيه تحتاج إلى لباقة وأدب بل منهم من يفرضون على اللاعبين خططاً تفوق إمكانياتهم البدنية والفنية ويصرون عليهم لتطبيقها ومعاقبتهم وتوبيخهم في حال لم يتمكنوا من تنفيذ المطلوب منهم، ويحصل الفشل لذلك يجب أن يكون المدرب واقعياً في كل صور التعامل الفني وغيرها، وهذا يشكل رافداً من روافد ثقة المدرب بنفسه والتي لها أهمية كبرى في مواجهة كل الحالات، والمدرب الواثق بنفسه لن يتردد ولا يخاف خاصة فيما يخص تقمص الأدوار المختلفة، فالمدرب تارة في دور الأب وأخرى في دور المعلم وثالثة في دور الصديق، وهكذا يحتم عليه توصيل المعلومة بصورة واضحة وصحيحة والتعامل عن طريق الاتصال اللفظي الفعال وغير اللفظي الفعال.
ومن أهم الأشياء التي تقوي من شخصية المدرب وسط المتدربين هي أن يكون إنساناً مبدعاً مبتكراً لأساليب جديدة في التدريب، فالمدرب الروتيني في أدائه يفقد احترام المتعاملين معه لأنه يظهر أمامهم بشخصية الإنسان الضعيف في مادته العلمية في مجال التدريب، خاصة أبناء هذا الجيل والأجيال القادمة فهم مختلفون عن الأجيال السابقة بحكم مشاهدتهم عبر القنوات الفضائية وحضورهم لتدريبات الفرق الكبيرة فيشاهدون أنواعاً وأنماطاً مختلفة من التدريبات وطريقة فرض الشخصية لدى المدربين، وبالتالي يمتلكهم الإحساس بالرغبة في أن يعاملوا بهذه المنهجية.
المدرب هو روح الفريق وله الدور البارز في إظهار فريق ينافس على جميع الأصعدة والمنافسات الكروية، حيث إن دور المدرب هو الدور الأهم لدى اللاعب هو كيفية مساعدته في تطوير أدائه من خلال منهجية عمل تؤثر في إيجابية أدائه المهاري بالشكل الفردي والجماعي.. فقدرة المدرب تتضح في نقل المعرفة التقنية التي تحدث من مواقف اللعب لتأثيرها في الخبرة التي يمتلكها اللاعب ليكتسب تقنية جديدة في الأداء.. وتطوير مهاراته الفنية أو تنمية صفاته البدنية أو كيفية التعامل النفسي مع ظروف المباراة أو في القدرات الذهنية في اتخاذ قراراته حول مواقف.. وهذا يتطلب أيضاً بأن تكون شخصيته وفق مواصفات معينة لأن المدرب هو مثل قائد الكتيبة يحتاج إلى التعامل بشدة وفرض حالة الانضباط العالي ومثل قائد الفرقة الموسيقية الذي يعرف كيف يتناغم أفرادها ليبدعوا في أدائهم وفق اللوحة المرسومة لهم في أسلوب اللعب أو طرق اللعب.. وحتى يتحلى هذا القائد بصفات القائد المثالي الذي ينبع تميزه من ثقته بنفسه لا من سلطاته بأن يكون قادراً على خلق النجاح واستنباطه ليس من نفسه فقط، ولكن من كل الذين من حوله من متدربين ومساعدين وإداريين، وعليه أن يتفهم قيمة القيادة ومفهوم القائد الصحيح والتعامل وفق ذلك بانتهاج الأساليب وفق فهمه لشخصيات لاعبيه، فلاعب كرة القدم يلزم أحياناً التعامل معه بقسوة ليبدع، ومنهم من يحتاج إلى كلمات الإشادة والتحفيز، وهكذا تختلف طرق وأساليب التعامل مع اللاعبين، وهذا التعامل الذي يميز المدربين فهو مثل المعادلة الكيماوية ذات الشقين المتكافئين ليتم النجاح.. وبالتالي تتضح صورة بعض الخصائص التي يجب أن تتوافر في المدرب، مثل يجب أن:
1- يلم بكافة جوانب كرة القدم من النواحي ويبذل كل الجهود لكي يتمكن من استيعاب كافة الجوانب البدنية والفنية والخططية والنفسية والذهنية الخاصة بها.
2- يجيد فن إخراج أفضل مستوى ممكن لأداء اللاعبين من خلال التفاعل النفسي معهم.
3- يجيد تخطيط التدريب وتنفيذه طبقا لإمكانات الفريق بما يضمن الارتقاء بمستوى اللاعبين والفريق.
4- يجيد فن إدارة المباريات، وأن يكون ملماً بفنون القيادة.
5- متشبث بعمله وصبور ويمتلك عزيمة قوية ومتوافق ومتماسك ومستقيم.
6- ملم بقواعد اللعب ويحث لاعبيه على الأداء بأمانة وروح رياضية ولعب نظيف.
7- أن يكون مبتكرا محبا للاطلاع والبحث في كل ما هو جديد في مجال كرة القدم.
8- يمتلك مهارة التفكير الجيد والتفكير الإبداعي ويستخدمها في التخطيط والتطبيق خلال عمله مع الفريق.
9- يهتم ويعتني بلاعبيه.
10 - يتسم بالحماس.
11 ـ محب للفوز وتحقيق الإنجازات.
12ـ متعاون مع زملائه المدربين المساعدين ويمنحهم الفرصة لتقديم ما عندهم من إبداعات ويوزع المهام لإعطائهم أكبر قدر من المشاركة.
13- أن يكون دارساً ومثقفاً ولديه خبرة جيدة في المجال كرة القدم.
14- أن يكون قدوة حسنة في الأخلاق والانضباط في الملعب أو خارجه.
15- أن يكون قادراً علي حسن القيادة والتصرف.
16- أن يكون لديه معرفة بقواعد الحوار والاتصال ومع الآخرين.
وهناك مـنهجـيـة تـدريـبــية فـي شخــصية المــدرب لأن المنهجة التقنية في عمل مدربي فرق ومنتخبات كرة القدم تتركز على أنه في كرة القدم لا توجد لدى المدرب خطط ثابتة، فلكل مباراة ظروفها وحساباتها، فالتعامل يكون مع كل مباراة بذاتها، وتنفيذ طرق اللعب هو إعطاء اللاعب الحرية التي تجعله ينفذ ما هو مطلوب منه والتأقلم الجيد مع إمكاناته.
إن شخصية المدرب تحقق له الكثير من النجاح وتبعده عن الفشل والاحتراق النفسي، فالجاذبية والديناميكية بوسعهما أن يجعلا من المدرب شخصاً محبوباً ومرغوباً بغض النظر عن تحقيقه لنتائج باهرة بل مجرد أن تطفو هذه المشاعر لدى اللاعبين والمساعدين والإداريين سيكون كفيلاً بتحقيق النجاح وبالتالي تحقيق الإنجازات.
إن مدرب كرة القدم هو أحد العوامل التي تحدد وصول اللاعب لأعلى المستويات الرياضية، إذ يرتبط الوصول إلى المستويات الرياضية ارتباطاً مباشراً بمدى قدرات المدرب على إدارة عملية التدريب الرياضي التي تتكون من تخطيط التدريب، وهو عملية تهدف الوصول باللاعب إلى أعلى مستوى ممكن تسمح به قدراته واستعداداته، وكلما تميز المدرب الرياضي بالتأهيل التخصصي العالي وازداد إتقانه للمعارف النظرية وطرق تطبيقها وتمتعه بشخصية قوية مؤثرة، كان أقدر على التخطيط لعملية التدريب بصورة علمية تسهم إلى درجة كبيرة في تطوير وتنمية المستوى الرياضي للاعبين إلى أقصى درجة وتتطلب عملية التخطيط الإلمام التام بالأسس النظرية والعلمية لعلم التدريب الرياضي، وإضافة إلى العديد من المصارف والمعلومات العلمية في عدد من العلوم الإنسانية والطبيعية، ويرتكز التدريب على عملية انتقال المعلومات من المدرب إلى اللاعب حتى يتمكن من إكسابه الأسس الفنية والبدنية التي تسهم في الارتقاء بمستواه إلى أقصى درجة ممكنة.
ففي كثير من مواقف الأداء الصعب يصبح المدرب بمثابة القائد الموجه للاعب، وكلما استطاع المدرب تقديم التوجيهات إلى اللاعب بصورة صحيحة أصبح اللاعب أقدر على استقبالها والاستفادة منها، ويقصد بالتوجيه كل الأساليب المصاحبة لعملية التدريب والتي يجب أن تساعد اللاعب على فهم نفسه وفهم مشكلاته واستغلال إمكاناته الذاتية من قدرات ومهارات واستعدادات واتجاهات واستغلال إمكانات بيئته ليحاول تحقيق الأهداف التي تتفق مع هذه الإمكانات، وأن يختار الطرق والوسائل والأساليب الصحيحة التي تحقق له الوصول حتى يتمكن من التغلب على مشكلاته، ويستطيع التكيف مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه كي يحقق أقصى ما يستطيع من نمو متكامل في شخصيته.
ويمكن للمدرب تحقيق هذه الأهداف عن طريق خدمات التوصية وعن طريق الإرشاد الفردي الذي يقصد به العلاقة المتبادلة التي تقوم بين المدرب واللاعب لمحاولة مساعدة اللاعب وتوجيهه ويسعى المدرب لتكوين اتجاهات إيجابية لدى اللاعب نحو عملية التدريب وذلك في محاولة للارتقاء بمستوى تركيزه وانتباهه والارتقاء بمستوى قدراته الفعلية والتأثير بمستوى الدافعية، هذا إضافة إلى رفع مستوى التفاعل الاجتماعي الإيجابي بين اللاعبين وعلى قدرات المدرب على إعداد اللاعب للمباريات الرياضية وعلى قدراته في رعاية وتوجيه وإرشاد اللاعب قبل وأثناء وبعد المباريات ثم تأتي مرحلة تقييم النجاح في عملية التدريب لأن رياضة المستويات العالية بما تتميز به من طابع مركب ومعقد لا تقتصر على تقييم عملية التدريب طبقاً للنجاح والفشل في المنافسات الرياضية فقط، بل ينبغي استخدام أنواع متعددة من وسائل التقويم مثل اختبارات القدرات البدنية والمهارية والخططية والاختبارات النفسية ومقاييس العلاقات الاجتماعية حتى يمكن تحديد نوع ومدى الانحراف عن الأهداف الموضوعة للتدريب.
وبذلك يمكن تصويب وتصحيح مسار عملية التدريب بصورة مستمرة، هذا إضافة إلى ضرورة استعانة المدرب بالمعلومات والتقارير التي يقدمها الطبيب المختص بعلم النفس أو الإداري عن حالات اللاعبين وضرورة مقارنتها بفكرة المدرب عن كل لاعب في أثناء التدريب أو في المنافسات مما يستوجب رعاية اللاعب لأن التدريبات والمباريات التنافسية تعتبر من المواقف التي تحتاج إلى المزيد من التعب العصبي فقد يستجيب اللاعب لهذه المواقف إما بصورة إيجابية تسهم في تعبئة طاقاته وقدراته أو بصورة سلبية تسهم في خفض مستوى قدراته وطاقاته، وينبغي على المدرب أن يتعرف إلى المؤثرات المتعددة التي تؤثر على اللاعبين في مختلف مواقف التدريب أو المنافسة حتى يضمن بذلك نجاح عملية الرعاية للاعب، وهنا تلعب شخصية المدرب المؤثرة دوراً مهما وضرورياً.
لقد أعجبتني بعض التوجيهات والتي من خلالها يمكن للمدرب أن يجعل من شخصيته جذابة عن طريق الآتي:
المصافحة: فعلى المدرب مصافحة اللاعبين ومن حوله من إداريين ومساعدين بثبات وحزم غير مبالغ فيه، وعليه أن يبتعد عن المصافحة بأيدٍ رخوة، فهي سمة من سمات الأشخاص غير الواثقين، وكذلك يبتعد عن المصافحة بأيد قوية جداً فقد يشعر الآخرين بأنه إما أن يكون شخصا متغطرساً متسلطاً أو أنه يخدعهم بقوة شخصيته وتنقصه الثقة.
الثقة: عليه أن يجعل نبرة صوته تعبر عن الثقة حتى يصل إلى قلوب اللاعبين قبل أفكارهم، فنبرة الصوت لها أثر كبير في مشاعر الآخرين، وعليه يحدد من يسمعه، فكل لاعب أو إداري أو مشجع يحتاج إلى أن يتحدث معه بصوت مختلف، ولكن وفي كل الحالات لابد أن يكون حديثه واضحاً بعيداً عن التردد.
اللباقة: إذا أراد المدرب حب اللاعبين يجب أن يكون شغوفا بهم ولا يجعل لسانه يخونه قط فإن القدرة على الكلام مع اللباقة تزيد من قوة تأثيره في الناس.
التحلي بالصبر: يجب أن يتحلى بالصبر على الآراء والأفكار التي يراها في قرارة نفسه غير متفقة معه، فإن من أسرار الشخصية الجذابة الإصغاء الواعي المشوب بالتقدير والعطف على آراء الآخرين يجب أن يحاول أن يحاور ويناقش بعقلانية وهدوء عندما يخالف رأيه أحد، ولكن عليه احترام رأيه وألا يحاول قدر الإمكان أن يجرح شعوره.
المرح والتفاؤل: يجب أن يكون المدرب مرحاً خاصة وقت الأزمات والضغط النفسي على اللاعبين في التدريبات أو قبل المباريات ووقت الشدائد والإنسان المرح هو الإنسان المنضبط والمتفائل.
المظهر: المظهر اللائق يكسب المدرب احترام النفس واحترام الآخرين له ويجعله يشعر بالثقة والاطمئنان، فالشخص الذي تشيع الفوضى في هندامه يشعر الآخرين بأن الفوضى تشيع في تفكيره أيضاً.
عوامل تعزيز الشخصية: وهناك جوانب لها قدر كبير في بناء الشخصية المتماسكة والواثقة، وزيادة الثقة بالنفس وتعزيزها، ومن خلال العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية التي أشارت بأن تفعيل العوامل التالية قادر على تغيير شكل ومضمون الإنسان بشكل إيجابي من الداخل والخارج، وأن يكون قادراً على التفاعل والإسهام بنجاح في حياته وحياة من حوله، وهذا يتم من خلال التالي:
1- تفعيل مهارات التخاطب: لا شك أن المخزون اللغوي والثقافي يعد أمراً مهما جداً في بناء الشخصية، لذا التركيز على تطوير مهارات التخاطب والتدريب على فنونه بدءاً بنطاق ضيق كالتخاطب مع الذات أمام المرآة أو تسجيل المخاطبة صوتياً ومن ثم التدرج في التدريب والانتقال إلى نطاق أوسع في التدريب على التخاطب أمام مجموعات صغيرة من الأصدقاء حتى تصل إلى قدرة التخاطب مع اللاعبين وغيرهم، مع مراعاة دائماً وضوح وعلو نبرة الصوت والإلمام بموضوع التخاطب، وكذلك اختيار الألفاظ التي تناسب سيكولوجية المتلقي، فلا يكترث أو يهتم للأخطاء الصوتية في استخدام الألفاظ المناسبة أو في مخارج الحروف أو حتى في تركيب الجمل فهي مع التدريب ستزول تدريجياً، والمدرب الذي يجيد الخطابة وتوصيل المعلومة بأسلوب خطابي جيد يستطيع أن يختصر الطريق نحو توصيل توجيهاته للاعبيه بصورة مثالية.
2- تفعيل التفكير الإيجابي: يجب على المدرب تفعيل التفاؤل والابتعاد عن التشاؤم في تعاملاته وتعاطيه مع أمور الحياة، وعليه تقديم اتجاهات إيجابية للأمور ونظرة شاملة ومستقبلية للأحداث المتوقعة، ففي تفعيل هذا الأسلوب يقدم المدرب على أي موقف ويتفاعل معه بخطى ثابتة ومتزنة لا يشوبها تردد أو خوف.
3- تفعيل معايشة الواقع: على الرغم من أهمية الآمال والطموحات والخيال في شحذ الهمم وتشكيل التوجهات إلا أن المدرب يجب أن يدرك أن الإمكانات والقدرات في التفكير العقلي والعاطفي هو الذي ينقله إلى آفاق المستقبل، فمعايشة الواقع تتم من خلال النظر إلى الماضي والحاضر وبناء عليه يتم استشراق المستقبل، لذا يتطلب من الإنسان أن يعي أن هناك عوامل خارجية كثيرة لها دور كبير في تغيير مسارات الخطط والأهداف التي يرسمها المدرب سلباً كانت أو إيجاباً، لذا ينصح دائما بوضع أهداف مرنة وقصيرة قابلة للقياس والتغيير في أي وقت.
4- تفعيل أهمية الهيئة الخارجية: غالبا تتحقق الثقة بالنفس بدرجات عالية عندما يتواءم المظهر مع الجوهر بشكل إيجابي، ويتم من خلال الاتزان في الملبس من دون إهمال ينم عن فوضوية أو تكلف ينم عن نقص داخلي، كذلك الاعتدال والاستقامة في الوقوف وعدم التراخي حتى لا يوحي بالضعف والوهن والكسل، كذلك المشي بخطى ثابتة ومتزنة والنظر للأمام مما يوحي بقدرة الفرد على الثقة والتحكم بإرادته وتوجيهها في التعامل مع نفسه والبيئة المحيطة به.
5- تفعيل المهارات الاجتماعية: إنه وبقدر امتلاك المدرب من المهارات الاجتماعية والتي حثنا عليها ديننا الحنيف (كالتواصل والتراحم والتعاطف والتكافل والإيثار والمحبة والإخاء والصداقة والمبادرة في عمل الخير) بقدر ما كان مستوى ثقة هذا المدرب بنفسه عالية، وهناك أهمية قصوى تنبع من المبادرة وفعل الخير للناس في بناء الشخصية السوية الناجحة في المجتمع، وهذا ما يحتاج إليه مدرب كرة القدم في ممارسته لعلاقاته بلاعبيه وفريق العمل الذي يعمل معه من إداريين ومساعدين وحتى المشجعين، لذا على المدرب أن يسعى جاهداً ليبحث عن دوره في المجتمع مما ينعكس على إرضاء الذات وإحساسها بقيمتها ويزيد من قدراتها وإمكاناتها في التعامل مع العوامل والظروف المتغايرة بنجاح، لم لا؟ ففي كثير من المجتمعات المتحضرة يتم تفعيل والاهتمام بالعمل التطوعي وتنشئ له الهيئات والجمعيات التعاونية، وذلك لما لها من دور فاعل في بناء الشخصية الناجحة واستشعار قيمتها في تطوير المجتمع المحيط بها.
ومن كل ذلك نستخلص أن روح القيادة عند المدرب لها أثر إيجابي على لاعبيه ومعاونيه، وينعكس في تصرفاته والبرامج المتنوعة التي يبثها في تدريباته ومنها تحفيز كل لاعب ليقوم بدوره بشكل فعال ومتقن لحصد نتائج إيجابية، وذلك عبر تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه والتعامل بالعدل والمنطق وقوة الشخصية حتى يكتسب القدرة على كسب محبتهم واحترامهم.
كما يجب عليه أن يتمتع بمعرفة علمية واسعة وعميقة وثقافة فنية في جميع جوانب اللعبة من أمور فنية والتعامل بأساليب التدريب الحديثة واكتساب الثقافة في قوانين كرة القدم والإلمام بقوانين التحكيم والطب النفسي واطلاع على جميع العلوم المساعدة الأخرى، إضافة للمقدرة على معرفة قدرات لاعبيه ولاعبي الخصم، فعليه تحديد نوعية الطرق والخطط التي يتقبلها لاعبوه والتعامل مع ذلك إلى أي مستوى تكتيكي واستراتيجي يمكن أن يستوعبه اللاعبون، إضافة لكيفية استعمالها أيضا، على المدرب أن يكون على معرفة بطبيعة عمل جميع القطاعات في النادي ذات الصلة بالعمل الفني والإداري حتى يحدد طرق التعامل معهم ومعرفة حدود صلاحياتهم حتى لا تتداخل الاختصاصات وتحدث المشاكل، وهذا يحتم عليه أن يمتلك مهارات الاتصال مع الآخرين.
على الزملاء المدربين أن يعلموا أن شخصية المدرب الاعتبارية هي سر النجاح في عمله، فعليه أن يحافظ على شخصيته وفرضها على الجميع، لأنها تحدد سلوكيات التعامل مع اللاعبين وغيرهم، وإذا أحس في أي لحظة من لحظات عمله بأن شخصيته قد اهتزت لسبب ما عليه ترميم ذلك وإلا فعليه الابتعاد لأن المدرب صاحب الشخصية الضعيفة لن يحقق ما يصبو إليه لأن تأثيره في الآخرين يصبح ضعيفاً أيضاً، وبالتالي تنعدم الثقة وتختل الموازين وتتضارب القرارات ويفقد المدرب هيبته ووقاره.